د. فؤاد عبد المنعم رياض ـ
وَرَدَ بإحدى الصحف أن نائبًا بالبرلمان تقدَّم باقتراح بإنشاء مجالس عرفية كى تسهم، على حد قوله، فى عمل القضاء لاستقرار المجتمع والقضاء على الفتن الطائفية. ولا يخفى ما فى هذا الاقتراح من إهدار لسيادة الدولة المتمثلة فى قدسية القانون وحرمة القضاء؛ ذلك أنه يقحم فى محراب القضاء هيئةً لا تلتزم بقوانين الدولة وتقوم قراراتها على التعصب وإدانة المجنى عليه بدلا من مرتكبى الجريمة والحكم بطرد المجنى عليه وأسرته أو الاستيلاء على أرض يمتلكها على سبيل الغرامة أو التعويض، وذلك لكون المجنى عليه مختلفا دينيا على الرغم من عدم ارتكاب المجنى عليه أى فعل يُعاقب عليه القانون. وبتغلغل التعصب الدينى منذ أوائل السبعينيات فى أنحاء مصر اكتسبت قرارات هذه المجالس العرفية قوة تنفيذ ذاتية مُلزمة لا تقل شأنًا عن أحكام القضاء، بل تظل واجبة النفاذ حتى وإن تعارضت مع أحكام قضائية صادرة فى النزاع نفسه.
وقد فرضتْ هذه المجالسُ وجودَها على الدولة ذاتها إذ لم تجد الدولة بدًا من الإسهام فى تشكيل هذه المجالس وذلك للتخفيف من حِدَّة أحكامها فضمَّتْ أحد ممثلى الشرطة إلى الأعضاء المشكلين لهذا المجلس من بين مشايخ القرية الذين يشكلون الأغلبية بالإضافة إلى مندوب عن الكنيسة مغلوب على أمره. وكان الأولى بسلطات الدولة أن تمنع قيام هذه المجالس بإصدار أحكام قضائية حتى لو أغضب المتعصبين، فعضب هذه الفئة لا يمثل نفس الخطورة التى يمثلها إحداث شرخ فى صلب كيان الشعب المصرى فضلا عن تعديه على قدسية القانون وحرمة القضاء.
ومما يدعو للعجب أن هذه المجالس التى يدعو النائب لمشاركتها فى أعمال القضاء بحجة وضع حد للفتن الطائفية واستقرار المجتمع قد أصدرت قرارات تعسفية من شأنها تعميق الفجوة بين شريحتين رئيسيتين للشعب المصري.
إن أى تراخٍ من جانب سلطات الدولة فى الحد من نشاط هذه المجالس يفتح الباب لهيمنة هذه المجالس على المجتمع المصرى بحيث يتعذر بعد ذلك على سلطات الدولة الحد من هذا النشاط. ويحق للدولة اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحظر نشاط هذه المجالس دون حاجة لوجود أى تشريع يمنع نشاطها. ذلك لأن وجود هذه المجالس باعتبارها هيئة قضائية تفصل فى المنازعات أمرٌ مخالف لأحكام الدستور نفسه التى حددت حصرًا مؤسسات الدولة على سبيل الحصر وليس من بين هذه المؤسسات أى ذكر لهذه المجالس العرفية. ومن ثمَّ فإنِّ جميع القرارات الصادرة من هذه المجالس تكون مخالفة للقانون بل تشكل جريمة إذا تضمنت أى عقوبات لأفعال لا يجرمها القانون.
ويجدر بمحلس النواب الموَّقر ألا يلقى بالا إلى أى اقتراح من شأنه إضفاء الشرعية على المجالس العرفية التى تخالف المبدأ الدستورى الجوهرى بالمساواة بين المواطنين وعدم التفرقة بينهم بسبب الدين.
ــــــــــــــــ
http://www.ahram.org.eg/News/202784/4/673056/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AD-%D8%A8%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1.aspx