in Arabic !حرب معلنة على المواطنة

!حرب معلنة على المواطنة

-

لم أكن أعرف وأنا أبحث عن المواطنة فى التعليم المصرى أن التعليم فى بلادنا أصبح حربا على المواطنة، أى أصبح حربا على أن نكون جماعة وطنية واحدة لا يفرق بيننا دين ولا عرق ولا مصلحة خاصة، وأن نكون جميعا لمصر، وأن تكون مصر لنا جميعا.

التعليم الذى نجوع لننفق عليه أصبح حربا علينا. حرب شعواء لم تعلن اليوم لتفاجئنا، بل هى معلنة منذ أكثر من نصف قرن. فلنا أن نتخيل حجم الخسائر التى منينا بها فى هذه الحرب التى أعلناها على أنفسنا.

ونحن لسنا فى حاجة لأى خيال حتى نقدر حجم هذه الخسائر. لأن الواقع الذى نعيشه كل يوم متخم بهذه الخسائر الفادحة. المدارس المصرية وحتى الجامعات معامل لتفريخ المتطرفين الذين يتعلمون فيها كيف يخرجون على الدولة ويكفرون المجتمع. دعاة التطرف وقادة الجماعات الإرهابية لم يتعلموا كلهم فى المعاهد الدينية التى تعلم فيها حسن البنا، وسيد قطب، وسيد سابق، وعمر عبدالرحمن، بل تعلم معظمهم فى كليات الطب والهندسة. ومحمود شفيق مصطفى الذى فجر الكنيسة البطرسية قبل ثلاثة أشهر تعلم فى مدارس الدولة وتخرج فيها ليصنع ما صنعه بالضحايا وبنفسه وبوطنه وبنا، من كان بمقدوره أن يتخيل ما قام به هذا الإرهابى فى وضح النهار؟

شاب فى الثانية والعشرين من عمره. نشأ فى قرية من قرى الفيوم، وتعلم فى مدارس الحكومة، وأصبح مزودا كما يحق لنا أن نظن بكل ما يجعله مواطنا صالحا. نشأة ريفية تشرب فيها ما يتشربه الفلاحون المصريون من القيم الراسخة والتقاليد العريقة التى تقوم عليها حياتهم. المودة، والتعاون، والنجدة، والمشاركة فى الحزن والفرح. ودراسة منتظمة عرف فيها كما يفترض ما يجب أن يعرفه المواطن عن نفسه وعن وطنه وعن العالم المحيط به وعن الآخرين من أساتذته الذين تعلم على أيديهم ومن زملائه الذين رافقهم وصادقهم ـ هذا الشاب كيف أصبح قاتلا وقتيلا فى وقت معا؟

كيف أصبح وهو فى مقتبل العمر وميعة الصبا عدوا للحياة بكل صورها، حياته وحياة الآخرين الذين لا يختلفون عنه فى شيء. ملامحهم هى ملامحه، ولغتهم لغته، ووطنهم وطنه. سوى أنهم يصلون فى مكان ويصلى هو فى مكان آخر. كيف هانت عليه هذه الأرواح، أرواح النساء والرجال والأطفال التى أزهقها فى الكنيسة دون أن يعرف واحدا منهم ودون سبب يمكن أن يدفع لهذا الجنون؟ وكيف هانت عليه أمه التى ثكلته وأبوه الذى فقده؟ وكيف هان عليه وطنه الذى أصبح عدوا له بدلا من أن يكون مواطنا صالحا؟ ومن الذى جعله آلة للموت وخادما له يلبى نداءه ويأتمر بأمره؟ هل هو المجتمع الذى نشأ فيه؟ لا أظن. لأن الاجتماع لا يكون إلا دفاعا عن الحياة وضمانا لها. والمجتمع لا يعلم ابناءه القتل ولا يعلمهم الانتحار.

والمجتمع المصرى بالذات مجتمع تأسس على محبة الحياة ومقاومة الموت. والحضارة المصرية شاهدة على ذلك. صحيح أنه يتعرض للهزات التى تتعرض لها كل المجتمعات، وأنه فقد فى العقود الأخيرة قدرا كبيرا من توازنه وتماسكه وصار مسرحا لهذه الفتنة الهدامة التى أنهكته وجعلته عدوا لنفسه منقسما عليها بدلا من أن يدافع عن كيانه ويستنهض قواه ويواجه الأخطار المحيطة به بكل ما يملك، فإذا كانت هذه الفتنة لاتزال تفعل فيه فعلها المدمر وتنفث فيه سمها الزعاف حتى الآن فالمنتظر من المدرسة الوطنية أن تصلح ما أفسده الدهر فى المجتمع، لأنها تستقبل الأجيال الجديدة وهى لاتزال فى براءتها الأولى صفحات بيضاء تستجيب لما تتربى عليه وتراجع فى ضوئه أفكارها وتصحح أخطاءها. فما الذى تتربى عليه هذه الأجيال الجديدة؟ وما الذى تتعلمه؟

الإجابة بكلمات قليلة هى أن الأجيال المصرية الجديدة تذهب إلى مؤسسات التعليم المختلفة لتتعلم فيها التفرقة والتمييز بين المسلم والمسيحي، وبين الرجل والمرأة، وبين الغنى والفقير. التعليم فى مصر الآن يخضع لسياسات عشوائية متضاربة كأنه يحدث فى دول مختلفة وفى نظم متعددة.

تعليم حكومى تتولاه وزارة التربية والتعليم ويفترض أن يكون تعليما وطنيا أو مدنيا يتسع لكل المصريين على إختلاف انتماءاتهم الدينية والاجتماعية ويزودهم بالعلوم والمعارف والخبرات التى يحتاجون إليها فى حياتهم الدنيا ليكتشفوا ما فيها ويسيطروا عليه ويستثمروه ويسخروه ليتقدموا ماديا ومعنويا ويلحقوا بالمتقدمين. لكن هذا التعليم الحكومى الذى بدأ تعليما وطنيا لم يعد وطنيا ولم يعد مدنيا كما يجب أن يكون وإنما أصبح خلطا مقصودا بين الدين والعلم لا يستفيد منه الدين ولا يستفيد منه العلم وانما تستفيد منه التيارات والجماعات التى تتاجر بالدين وتجعله طريقا لهدم المجتمع المدنى والدولة المدنية والاستيلاء على السلطة.

وهناك التعليم الدينى الذى يتولاه الأزهر ويفترض أن يقتصر على تزويد المجتمع بمن يحتاج إليهم من علماء الدين وأئمة المساجد وهى الوظيفة التى كان يؤديها من قبل. لكن الانقلابات التى تعرض لها المصريون والهزائم التى حلت بهم قطعت عليهم طريق النهضة وردتهم إلى عصور الظلام يلتمسون فيها العزاء ويخلطون بين ما لقيصر وما لله. وهكذا انفسح المجال أمام التعليم الدينى الذى كان محصورا فى خمسة معاهد أصبحت تعد الآن بالآلاف وأصبح طلابها وطلاب الكليات التابعة للأزهر يعدون بالملايين دون أن تتسع بالطبع لأى طالب مسيحي، رغم أنها تحصل على ميزانيتها من أموال المصريين على اختلاف دياناتهم، فإذا كان المسيحيون محرومين من الانخراط فى هذا التعليم الدينى فهم فى التعليم الحكومى يقفون فى منزلة بين المنزلتين، لأن التعليم الحكومى يقف هو نفسه فى منزلة بين المنزلتين. صفحات من علوم الدنيا مخلوطة بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ومقررة على المسلمين والمسيحيين معا؟!

http://www.ahram.org.eg/News/202211/4/584697/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D8%A9-.aspx

?s=96&d=mm&r=g !حرب معلنة على المواطنة

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

لم أكن أعرف وأنا أبحث عن المواطنة فى التعليم المصرى أن التعليم فى بلادنا أصبح حربا على المواطنة، أى أصبح حربا على أن نكون جماعة وطنية واحدة لا يفرق بيننا دين ولا عرق ولا مصلحة خاصة، وأن نكون جميعا لمصر، وأن تكون مصر لنا جميعا.

التعليم الذى نجوع لننفق عليه أصبح حربا علينا. حرب شعواء لم تعلن اليوم لتفاجئنا، بل هى معلنة منذ أكثر من نصف قرن. فلنا أن نتخيل حجم الخسائر التى منينا بها فى هذه الحرب التى أعلناها على أنفسنا.

ونحن لسنا فى حاجة لأى خيال حتى نقدر حجم هذه الخسائر. لأن الواقع الذى نعيشه كل يوم متخم بهذه الخسائر الفادحة. المدارس المصرية وحتى الجامعات معامل لتفريخ المتطرفين الذين يتعلمون فيها كيف يخرجون على الدولة ويكفرون المجتمع. دعاة التطرف وقادة الجماعات الإرهابية لم يتعلموا كلهم فى المعاهد الدينية التى تعلم فيها حسن البنا، وسيد قطب، وسيد سابق، وعمر عبدالرحمن، بل تعلم معظمهم فى كليات الطب والهندسة. ومحمود شفيق مصطفى الذى فجر الكنيسة البطرسية قبل ثلاثة أشهر تعلم فى مدارس الدولة وتخرج فيها ليصنع ما صنعه بالضحايا وبنفسه وبوطنه وبنا، من كان بمقدوره أن يتخيل ما قام به هذا الإرهابى فى وضح النهار؟

شاب فى الثانية والعشرين من عمره. نشأ فى قرية من قرى الفيوم، وتعلم فى مدارس الحكومة، وأصبح مزودا كما يحق لنا أن نظن بكل ما يجعله مواطنا صالحا. نشأة ريفية تشرب فيها ما يتشربه الفلاحون المصريون من القيم الراسخة والتقاليد العريقة التى تقوم عليها حياتهم. المودة، والتعاون، والنجدة، والمشاركة فى الحزن والفرح. ودراسة منتظمة عرف فيها كما يفترض ما يجب أن يعرفه المواطن عن نفسه وعن وطنه وعن العالم المحيط به وعن الآخرين من أساتذته الذين تعلم على أيديهم ومن زملائه الذين رافقهم وصادقهم ـ هذا الشاب كيف أصبح قاتلا وقتيلا فى وقت معا؟

كيف أصبح وهو فى مقتبل العمر وميعة الصبا عدوا للحياة بكل صورها، حياته وحياة الآخرين الذين لا يختلفون عنه فى شيء. ملامحهم هى ملامحه، ولغتهم لغته، ووطنهم وطنه. سوى أنهم يصلون فى مكان ويصلى هو فى مكان آخر. كيف هانت عليه هذه الأرواح، أرواح النساء والرجال والأطفال التى أزهقها فى الكنيسة دون أن يعرف واحدا منهم ودون سبب يمكن أن يدفع لهذا الجنون؟ وكيف هانت عليه أمه التى ثكلته وأبوه الذى فقده؟ وكيف هان عليه وطنه الذى أصبح عدوا له بدلا من أن يكون مواطنا صالحا؟ ومن الذى جعله آلة للموت وخادما له يلبى نداءه ويأتمر بأمره؟ هل هو المجتمع الذى نشأ فيه؟ لا أظن. لأن الاجتماع لا يكون إلا دفاعا عن الحياة وضمانا لها. والمجتمع لا يعلم ابناءه القتل ولا يعلمهم الانتحار.

والمجتمع المصرى بالذات مجتمع تأسس على محبة الحياة ومقاومة الموت. والحضارة المصرية شاهدة على ذلك. صحيح أنه يتعرض للهزات التى تتعرض لها كل المجتمعات، وأنه فقد فى العقود الأخيرة قدرا كبيرا من توازنه وتماسكه وصار مسرحا لهذه الفتنة الهدامة التى أنهكته وجعلته عدوا لنفسه منقسما عليها بدلا من أن يدافع عن كيانه ويستنهض قواه ويواجه الأخطار المحيطة به بكل ما يملك، فإذا كانت هذه الفتنة لاتزال تفعل فيه فعلها المدمر وتنفث فيه سمها الزعاف حتى الآن فالمنتظر من المدرسة الوطنية أن تصلح ما أفسده الدهر فى المجتمع، لأنها تستقبل الأجيال الجديدة وهى لاتزال فى براءتها الأولى صفحات بيضاء تستجيب لما تتربى عليه وتراجع فى ضوئه أفكارها وتصحح أخطاءها. فما الذى تتربى عليه هذه الأجيال الجديدة؟ وما الذى تتعلمه؟

الإجابة بكلمات قليلة هى أن الأجيال المصرية الجديدة تذهب إلى مؤسسات التعليم المختلفة لتتعلم فيها التفرقة والتمييز بين المسلم والمسيحي، وبين الرجل والمرأة، وبين الغنى والفقير. التعليم فى مصر الآن يخضع لسياسات عشوائية متضاربة كأنه يحدث فى دول مختلفة وفى نظم متعددة.

تعليم حكومى تتولاه وزارة التربية والتعليم ويفترض أن يكون تعليما وطنيا أو مدنيا يتسع لكل المصريين على إختلاف انتماءاتهم الدينية والاجتماعية ويزودهم بالعلوم والمعارف والخبرات التى يحتاجون إليها فى حياتهم الدنيا ليكتشفوا ما فيها ويسيطروا عليه ويستثمروه ويسخروه ليتقدموا ماديا ومعنويا ويلحقوا بالمتقدمين. لكن هذا التعليم الحكومى الذى بدأ تعليما وطنيا لم يعد وطنيا ولم يعد مدنيا كما يجب أن يكون وإنما أصبح خلطا مقصودا بين الدين والعلم لا يستفيد منه الدين ولا يستفيد منه العلم وانما تستفيد منه التيارات والجماعات التى تتاجر بالدين وتجعله طريقا لهدم المجتمع المدنى والدولة المدنية والاستيلاء على السلطة.

وهناك التعليم الدينى الذى يتولاه الأزهر ويفترض أن يقتصر على تزويد المجتمع بمن يحتاج إليهم من علماء الدين وأئمة المساجد وهى الوظيفة التى كان يؤديها من قبل. لكن الانقلابات التى تعرض لها المصريون والهزائم التى حلت بهم قطعت عليهم طريق النهضة وردتهم إلى عصور الظلام يلتمسون فيها العزاء ويخلطون بين ما لقيصر وما لله. وهكذا انفسح المجال أمام التعليم الدينى الذى كان محصورا فى خمسة معاهد أصبحت تعد الآن بالآلاف وأصبح طلابها وطلاب الكليات التابعة للأزهر يعدون بالملايين دون أن تتسع بالطبع لأى طالب مسيحي، رغم أنها تحصل على ميزانيتها من أموال المصريين على اختلاف دياناتهم، فإذا كان المسيحيون محرومين من الانخراط فى هذا التعليم الدينى فهم فى التعليم الحكومى يقفون فى منزلة بين المنزلتين، لأن التعليم الحكومى يقف هو نفسه فى منزلة بين المنزلتين. صفحات من علوم الدنيا مخلوطة بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ومقررة على المسلمين والمسيحيين معا؟!

http://www.ahram.org.eg/News/202211/4/584697/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D8%A9-.aspx