د. عماد جاد ـ الوطن ـ
خلصت عقب لقاءات مكثفة وحوارات طويلة مع ناجين من جريمة «دير الأنبا صموئيل» إلى أن الجناة لم يأتوا من خارج البلاد، بل هم من سكان نفس المنطقة، ومن القرى والمدن المجاورة لها، فالتشدد والتطرف يضرب المنطقة بالكامل بحيث تجد مدينة مثل العدوة لا توجد بها كنيسة واحدة، وكلما اشترى أقباط المدينة قطعة أرض وتقدموا بطلب بناء كنيسة عليها، يظهر على الفور مسجد على مسافة قريبة من قطعة الأرض المستهدف إنشاء كنيسة عليها، ومن ثم وجب على أقباط المدينة البحث عن قطعة أرض أخرى تبتعد مسافة كافية عن أقرب مسجد، فلا يجوز بناء كنيسة على مقربة من مسجد، والعكس غير صحيح، فما أن تبنى كنيسة بعد طول عناء ومعاناة حتى يظهر حولها أكثر من مسجد. أيضاً تعد قرية دلجا، القريبة من موقع الحادث، معقلاً للتشدد والتطرف فهى مسقط رأس عاصم عبدالماجد، ويوجد بها مئات السلفيين والدواعش، يكفى أن نقول إنه خلال حكم مرسى والجماعة قام متشددو القرية باستخراج جثة مواطن مسيحى وسحلوها فى مشهد لا يمت للإنسانية بصلة من قريب أو بعيد. فى هذه المنطقة ينتشر الدواعش بكثرة، ومن ثم فإن ارتكاب جريمة دير الأنبا صموئيل لا يحتاج عناصر غير مصرية ولا غريبة عن المنطقة ففى المنطقة ما يكفى من الدواعش لارتكاب جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
الناجون يتحدثون بكل ثقة عن أن المجرمين من المنطقة، شكلاً ولغة، وأنهم اهتموا أولاً بالاستيلاء على ممتلكات الجناة وتحديداً الذهب والموبايلات والأموال، وهو سلوك جماعات دينية مصرية من منطق الاستحلال وسبق أن مارسوه منذ سبعينات القرن الماضى.
أيضاً هناك حالة من فقدان الحس والشعور الإنسانى بحيث يطلب من السيدات والأطفال نطق الشهادة حتى ينجوا، وهو ما تم رفضه تماماً، فكان الرد وابلاً من الرصاص فى الصدور والقلوب، لم يفرقوا بين رجل وسيدة، طفل وشيخ، أطلقوا الرصاص بشكل عشوائى فى الأوتوبيس، ثم أنزلوا الرجال وقتلوهم خارج الأوتوبيس.
معلومات أهل المنطقة تقول إنه لا يمكن لغريب أن يدخل هذه المنطقة دون ترتيب وتنسيق مسبق مع العرب الموجودين فيها، وتقديرهم أن المجرمين من أهل المنطقة، يعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها، يعلمون أن هناك عدة كيلومترات لا توجد بها تغطية من قبَل شبكات التليفون المحمول، أى تنقطع فيها إشارة البث، وهى المنطقة التى تم تنفيذ الجريمة فيها، أى إن من قام بالتنفيذ يعلم تماماً أن الضحايا لا يمكنهم استخدام هواتفهم النقالة ومن ثم لا يمكنهم الاستغاثة، لذلك تصرفوا بهدوء شديد، طالبوا الضحايا باعتناق الإسلام عبر نطق الشهادة، ثم جمعوا متعلقاتهم وأشياءهم الثمينة، وصفوّهم جسدياً ومثلوا بالجثث، ارتكبوا جريمتهم وغادروا المكان ولم يعلم أحد بالحادث إلا بعد وقوعه بأكثر من ساعتين وعن طريق أوتوبيس سياحى كان يمر بالمنطقة، شهد الكارثة وقام بالإبلاغ عنها، فتحركت أجهزتنا المعنية وباشرت التحقيق، وكان قد مر وقت كافٍ بحيث اختفى الجناة أو عادوا إلى ديارهم.
يا سادة المجرمون مننا ويعيشون بيننا، منهم من تربى على الفكر المتطرف الرافض للآخر الدينى والطائفى، ومنهم من ذهب إلى الدواعش وأجاد طرق القتل والنحر وعاد إلينا بالذبح والقتل والتمثيل بالجثث. عليكم أن تعترفوا بأن القتلة والمجرمين من بيينا ويعيشون وسطنا، انظروا إلى كم الشماتة فى الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعى من مصريين يعيشون بيننا، انظروا إلى مبررات القتل والنحر، منهم من يقول إنهم كفار وجب قتلهم، ومنهم من يقول إنهم صليبيون، وهناك من يبرر ذلك بالرد على جرائم الهندوس بحق مسلمى بورما.
الأمر جد خطير، والمسافات تتباعد بين المواطنين المصريين، لا سيما لدى الشباب، والدعوات لأفكار انعزالية وتحصينية بدأت تطرح، وإذا كانت الحكمة تقول إن معظم النار من مستصغر الشرر، فإن الحكمة تقتضى التحرك العاجل من الدولة، مداواة الجراح، إنهاء الرخاوة فى التعامل مع الدواعش، وإلا فإن البدائل لن تحمد عقباها وربما يأتى يوم لا ينفع فيه ندم.
http://www.elwatannews.com/news/details/2145798