حمدي رزق ـ المصري اليوم ـ
تلقيت رسالة معتبرة من الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، القاضى السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، يلمس فيها الجذور الطائفية التى عبّدت الطريق أمام الجماعات الداعشية التى قتلت وفزّعت المصريين المسيحيين فى العريش، وأدت إلى نزوح قسم منهم إلى مدن القنال وسط صيحات الغضب والاستهجان من جل المصريين الوطنيين.. والى نص الرسالة.
***
«إن من يشهد حال المجتمع المصرى، خلال العديد من السنوات الماضية، لاشك يلمس قيام جهات دينية وإعلامية بل تعليمية بالمزايدة فى الدعوة إلى معاداة المواطنين المسيحيين والحط من دينهم ومن قدرهم والتحريض العلنى ضدهم، وقد ترتب على مواصلة ذلك خلال السنوات العشر الماضية تكاثر تدريجى لاعتداءات على المسيحيين فى ريف مصر تضمنت القتل وإحراق المنازل والممتلكات.
وأجد لزاما علىّ ذكر ما شاهدته خلال الفترة التى شرفت فيها بعضوية المجلس القومى لحقوق الإنسان، وكذلك فترة رئاستى اللجنة القومية لتقصى الحقائق فى أحداث 30 يونيو- عما يطلق عليه المجالس العرفية التى هيمنت على ريف مصر بل بعض مدنها، وهى كيانات نصبت نفسها محاكم تعمل خارج إطار القانون وتقوم بإصدار ما يعن لها من عقوبات ضد المواطنين المسيحيين من مصادرة لممتلكاتهم وطردهم من ديارهم والحكم عليهم بغرامات باهظة لأفعال لا يجرمها القانون بحال من الأحوال.
وذلك يتم تحت سمع وبصر سلطات الدولة التى تركت لهم العنان ليمارسوا قضاء لا صلة له بدولة تقوم على سيادة القانون. ومن المؤسف أن أحكام هذا القضاء تتمتع بقوة نفاذ تفوق الأحكام الصادرة من محاكم الدولة، بل تحول دون تنفيذها وفى ذلك إسقاط رهيب لسيادة الدولة ذاتها.
لا مفر من الاعتراف بأن هذا السياق الشاحن الذى عاشه الوطن خلال فترة ليست بقصيرة ولايزال يعيشه إلى الآن أفسح المجال لحشود إجرامية كداعش وما وراءها من قوة ثبتت نواياها لتفتيت مصر للقيام بما نراه اليوم من جرائم شنعاء فى سيناء ضد عنصر لا يتجزأ بل مؤسس لشعب مصر، وذلك تحت ستار الدين، والدين منه براء.
ولاشك أن التصدى الحاسم والقضاء الجذرى على هذا الخطر الداهم يقع بداءة على عاتق الدولة بجميع أجهزتها، ويفرض عليها عدم التردد فى القضاء الجذرى على الأسباب العديدة التى زعزعت وحدة شعب مصر، وعلى رأس هذه الأسباب تقسيم المواطنين إلى مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية فعليا، بل رسميا أيضا، بالمخالفة الصريحة للدستور، وكذلك عدم السماح لأى فئة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة بإهدار سيادة القانون أيا كانت قوة الضغوط أو الملاءمات أو الدعم، سواء من جهات بالداخل أو بالخارج.
غير أن فداحة الكارثة لا تفرض واجب التصدى لها على عاتق الدولة وأجهزتها فحسب، ذلك أن خطورة المرحلة الراهنة تفرض على كل مواطن شخصيا واجب المشاركة الفعالة فى الإسهام، كل فى مجاله، فى دفع الخطر المحيط بنا، وهو ما يطلق عليه الفقه الإسلامى «فرض عين»، أى التزام يقع على عاتق كل مواطن، وليس «فرض كفاية»، أى التزام يُعفى منه الشخص إذا قام غيره بأدائه.
وفى ذلك مجال فسيح لمثقفى مصر على مختلف درجاتهم، ومن رجال القانون ومن رجال الإعلام، وكذلك وبالأخص رجال الدين الذين لايزال ينصت إليهم غالبية شعب مصر، وكم نتمنى أن يتقدم الأزهر الشريف الصفوف بما له من كلمة مسموعة لدى غالبية شعب مصر، وأن يكون حاسما فى كافة مواقفه ولا يتردد فى إدانة مرتكبى هذه الجرائم الشنعاء، إذ هم أعداء للإنسانية، ومن ثم أعداء لله خالق الإنسان.
إن القضية هى قضية وطن بأسره تسمو على أى انتماءات أو خلافات دينية أو سياسية. إنها فى حقيقة الأمر قضية بقاء أو عدم بقاء وطن كان أول دولة فى العالم، ومصدر حضارته».
http://www.almasryalyoum.com/news/details/1097502