مراسلون بلا حدود ـ
تُسجل مراسلون بلا حدود بقلق وقوع عدد من المؤسسات الإعلامية في مصر في أيدي رجال أعمال مقربين من الحكومة وأجهزة المخابرات، موضحة في الوقت ذاته أن استحواذ السلطات المصرية على المشهد الإعلامي متواصل بشكل مطرد بل ويطال حتى وسائل الإعلام المقربة من النظام.
رأت قناة الحياة النور في عام 2008 على يد السيد البدوي، رئيس حزب الوفد العلماني المقرب من النظام، لكن ملكيتها انتقلت بعيداً عن الأضواء في نهاية أغسطس/آب إلى جهة أخرى لم يتم بعد كشف هويتها بشكل رسمي، بينما أفادت تقارير إعلامية مصرية بأن المحطة التلفزيونية الخاصة أصبحت تابعة لشركة فالكون المصرية المتخصصة في الخدمات الأمنية والتي يرأسها المدير السابق لقطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون وهو أيضاً وكيل سابق للمخابرات الحربية.
وقبل بضعة أسابيع من بيعها، وجدت إدارة الحياة نفسها فجأة مطالبة من الحكومة بدفع فواتير باهظة، مما أجبر القناة على وقف بث برامجها مؤقتاً، علماً أن هذه الضغوط المالية جاءت بعد وقت قصير من معارضة نواب عن حزب الوفد للمشروع المثير للجدل والمتعلق ببيع جزيرتين استراتيجيتين إلى المملكة العربية السعودية.
رجال المخابرات أقرب إلى وسائل الإعلام من أي وقت مضى
ربما يكون من نافلة القول إن قناة الحياة ليست أول محطة تلفزيونية خاصة تقع في أيدي شخصيات مقربة من أجهزة المخابرات. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، تولى إدارة قناة العاصمة عميد في المخابرات الحربية ومتحدث رسمي سابق باسم الجيش في عهد المشير عبد الفتاح السيسي.
وفي العام الماضي، انتقلت ملكية قناة أون تي في التي تحظى بشعبية واسعة إلى رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة الذي يُعد من أباطرة صناعة الصلب في مصر والمعروف بقربه من أجهزة المخابرات الحربية والرئيس عبد الفتاح السيسي، علماً أن القناة – قبل انتقالها إلى مالكها الجديد – كانت تبث من حين لآخر بعض التقارير الناقدة رغم قربها من السلطة. وبعد شهر واحد من بيعها لرجل الأعمال الثري في مايو/أيار 2016، أقدمت السلطات المصرية على ترحيل مذيعة القناة الشهيرة ليليان داود، التي تحمل الجنسيتين البريطانية واللبنانية المعروفة بنزاهتها الصحفية.
إمبراطورية إعلامية في الواجهة
بالإضافة إلى أون تي في، اشترى الملياردير أحمد أبو هشيمة في عام 2016 قناتي النهار و سي بي سي إلى جانب أربع صحف: صوت الأمة، العين، دوت مصر واليوم السابع، علماً أن تدخل أيادي السلطة بدأ يظهر مؤخراً من خلال هذه الأخيرة. ففي أواخر يوليو/تموز، هدد رئيس تحرير هذه الجريدة ثلاثين من زملائه الصحفيين بإجازة غير مدفوعة الأجر لمدة عام واحد، وذلك على خلفية معارضتهم لمشروع بيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية إما من خلال مشاركتهم في تظاهرات أو بنشر آرائهم عبر الشبكات الاجتماعية أو عن طريق الدعوة إلى توقيع عرائض.
وقد قرر ثلاثة من الصحفيين المعنيين كشف هذه القضية علناً. ففي تديونة على فيسبوك، أوضح مدحت صفوت محفوظ أن رئيس التحرير أخبرهم بأن “الرئيس الرئيس السيسي هو المالك الجديد للصحيفة”، وأن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تُبقي في صفوفها أصواتاً ناقدة.
وبينما لا يزال بقية الصحفيين المعنيين يمارسون عملهم بالجريدة في الوقت الراهن، تم إيقاف كل من مدحت صفوت محفوظ وماهر عبد الواحد وعبد الرحمن مقلد، علماً أن هذا الأخير كتب في 23 أغسطس/آب رسالة إلى عبد الفتاح السيسي يشكو فيها من فصله دون مبرر طالباً تدخل رئيس الجمهورية من أجل العودة إلى عمله. وفي اتصال هاتفي مع منظمة مراسلون بلا حدود، أوضح عبد الرحمن مقلد أن فصله وبقية زملائه قد يكون راجعاً لعدة أسباب، من بينها الحماس المفرط من جانب رئيس التحرير أو من مالك الصحيفة أحمد أبو هشيمة، أو ربما يكون ناتجاً عن ضغوط مباشرة من أجهزة المخابرات.
ومن جهته، كان أحد زملائهم السابقين، هاني صلاح الدين، الموضوع الرئيسي لمقال غير موقَّع نُشر في صوت الأمة، إحدى الصحف الأربع التي تقع في ملكية رجل الأعمال المقرب من الجيش ورئيس الجمهورية، حيث تم وضعه في الحبس الاحتياطي في 21 أغسطس/آب 2017 بعد أسبوع من اعتقاله على خلفية اتهامه بتحريض زملائه على التظاهر وبث اتهامات ضد الحكومة لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين، علماً أن هذا الصحفي كان قد واجه حكماً بالسجن المؤبد في مايو/أيار 2015 في إطار القضية المعروفة باسم “غرفة عمليات رابعة” قبل أن تبرئه محكمة الاستئناف في مايو/أيار الماضي، أي بعدما قضى أربع سنوات وراء القضبان. وبعد خروجه من السجن، اتصل هاني صلاح الدين بإدارة الجريدة للمطالبة بحقوقه، لكن دون جدوى.
“صوت المخابرات”
بالإضافة إلى وقوع عدد من وسائل الإعلام بشكل متزايد في أيدي رجال معروفين بصلاتهم الوثيقة مع النظام وأجهزة مخابراته، تمكنت أيادي السلطة الحاكمة من بسط سيطرتها وزيادة نفوذها داخل المشهد الإعلامي المصري في عام 2016 من خلال ظهور شبكة «دي إم سي» وباقة قنواتها (الأخبار، والترفيه، والرياضة …)، علماً أن هذه المؤسسة الإعلامية – التي يصفها بعض الصحفيين بأنها “صوت المخابرات” – كانت قد استهلت بثها وسط ضجة كبيرة بالآيات القرآنية والنشيد الوطني، وهي تحصل من السلطات الأمنية على تصاريح التصوير في أماكن وأحداث حيث تُواجَه طلبات وسائل الإعلام الخاصة الأخرى بالرفض. كما تُعرف قنوات هذه الشبكة ببثها مقابلات تُقدَّم على أنها حصرية بينما لا تنطوي في الواقع إلا على تكرار للخطاب الأمني الذي يتبناه النظام في محاربة الإخوان المسلمين.
كما أن تشديد سيطرة النظام على ما يسمى بالإعلام التقليدي يُصاحبه تعتيم متزايد على القطاع الرقمي. فبحسب أرقام مؤسسة حرية الفكر والتعبير، بلغت حصيلة المواقع المحجوبة في مصر ما لا يقل عن 424 بحلول تاريخ 29 أغسطس/آب، ومن بينها موقع منظمة مراسلون بلا حدود الذي يتعذر الوصول إلى محتوياته منذ منتصف أغسطس/آب.
يُذكر أن مصر تقبع في المرتبة 161 (من أصل 180) في نسخة 2017 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.
http://ar.rsf.org/2017/09/05/newsegyptian-intelligence-services-extend-control-over-media/