ماذا قالت الأستاذة فاطمة ناعوت فى مقالتين وبيان؟!
مجدى خليل
جاءت الأستاذة فاطمة ناعوت للتحدث أمام مؤتمر «التضامن القبطي» بواشنطن، ورجعت وكتبت مقالين وبيانا. لن أتحدث هنا عن وجهات النظر، فهى حرة فيما تقول، ولكن نلاحظ عصبيتها وانفعالها واتهامها لمن يناقش كلامها «بالهجوم والتطاول» عليها، وكأنها لا تنطق إلا بالحق المبين.
فيما يلي سأتحدث عن عدد من الأكاذيب التى قالتها، تاركا للقارئ بعدها أن يستخدم عقله وضميره ليحكم.
الكذبة الأولى: ادّعت «أنهم (الأقباط؟) طلبوا مني بأن أكون شوكة فى ظهر مصر فى الخارج، ومستحيل أن أفعل ذلك…».
لم يطلب منها أحد هذا على الإطلاق، بصفة مباشرة أو غير مباشرة. هناك حوالي 30 ـ 40- متحدثا يشاركون كل سنة فى مؤتمرات منظمة «التضامن القبطي»، وهم يأتون من خلفيات حقوقية وسياسية وأكاديمية معروفة ومشهود لها، ولا يُطلب منهم شيئ سوى التحدث في إطار محور (عنوان) المؤتمر، مما يعني ضمنيا الموافقة على مضمونه. وعنوان المؤتمر هذا العام كان «مستقبل الأقليات فى مصر». وقد وافقت عليه السيدة ناعوت عندما قبلت الدعوة، (وأيضا ساومت حول أجرها ومصاريفها، بل وابتزت المنظمة حتى آخر لحظة لها في واشنطن..).
الحقيقة هي أن منظمة «التضامن القبطي» كانت في مقدمة من دافعوا عن مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 ووقفت بصلابة فى وجه الإخوان فى واشنطن في وقت كانت الإدارة الأمريكية تساندهم بقوة، وقد ساعدت هذه الجهود بالفعل على تغيير موقف واشنطن إيجابيا تجاه نظام الرئيس السيسي.
ومن ناحية أخرى، فالزعم بأن «انتقاد ممارسات وسياسات حكومة بلد ما خارج حدوده يعتبر شوكة في ظهر البلد»، هو زعم فاشي تلجأ إليه الأنظمة التي تكره الحرية وترفض النقد أو التفكير ـ سواء كان في الداخل أو الخارج..
الكذبة الثانية: ادّعت السيدة ناعوت أن «(البعض) طلب منها التوجه لوزارة الخارجية الأمريكية لانتقاد مصر»، و(البعض) هنا غمز ولمز يشير ـ ضمنيا ـ إلى منظمة «التضامن القبطي» أو أشخاص من الأقباط فى المهجر. وهذا لم يحدث جملة وتفصيلا… فلم تطلب منها منظمة «التضامن القبطي» أو أي من الأقباط ذلك..
الكذبة الثالثة: ادّعت السيدة ناعوت أن «من ينادون بحقوق الأقليات ينادون بدولة دينية».
هل معنى كلامها أن الأمم المتحدة ومؤسساتها يعملون على تحويل العالم إلى دول دينية؟ وأن كل خبراء القانون الدولى فى العالم هم مجموعات شريرة تعمل على تحويل العالم لدول دينية؟ وأن أساتذة العلوم السياسية في أنحاء العالم مجموعة من الجهلاء الذين يدرسون لطلبتهم كيفية تحويل العالم إلى دول دينية؟!!
الكذبة الرابعة: ادعت السيدة ناعوت أن هناك تعارض بين مفهوم المواطنة ومفهوم الأقلية.
وهذا كلام فارغ لا يمت للعلم بصلة، ويستطيع طالب علوم سياسية أو قانون دولى أن يرد عليه.
الكذبة الخامسة: ادعت أن قداسة البابا شنودة قال (لتحرق كنائسنا ولتحيا مصر)..
لم يقل قداسة البابا شنودة أبدا هذه العبارة التى يبدو أنها نسجتها من وحي خيالها، فلماذا يجب أن تحيا مصر فقط عن طريق حرق كنائسها؟!
الكذبة السادسة: ادّعت أن البابا شنودة رفض مصطلح الأقلية. ولم تحدد طبعا متى قال ذلك، فكل ما كان يقوله عادة ـ وهو صحيح تماما ـ يدور حول حب الأقباط وإخلاصهم لمصر وأن وطنيتهم ليست مجال مساومة من أحد.
الكذبة السابعة: ادّعت السيدة ناعوت أننى قلت ـ عند الرد على كلامها فى المؤتمر ـ «أن الأقباط أقلية مستضعفة يطلبون الحماية».
لم اقل هذا الكلام مطلقا، ولا يصح ولا يليق أن أقول كلمة مستضعفة، بل قلت أن الأقباط أقلية دينية طبقا للتعريفات القانونية الدولية ولمواثيق حقوق الإنسان الدولية. وقلت أنهم اقلية مضطهدة منذ عام 1972 وحتى الآن.
الكذبة الثامنة: قالت أن «من أيّد أن الأقباط أقلية ..هم بضعة أشخاص لم يتجاوزوا الخمسة، فى حين أيدها معظم أقباط المهجر».
لا نعرف مصدر هذه «الإحصائية» العجيبة (!) والحقيقة أن القضية القبطية منذ تأصيلها في عام 1972 وحتى الآن وجميع المنظمات القبطية المحترمة فى الخارج بدءا من منظمات الراحلين د. سليم نجيب ود. شوقى كراس وحتى التضامن القبطى، وميثاق الحركات القبطية فى الخارج، تقول ببديهية وضع الأقباط كأقلية دينية، وبأنهم مضطهدون كذلك.
الكذبة التاسعة: قالت السيدة ناعوت أن الأقباط يعانون من التمييز والمضايقات من المتطرفين…
وبهذا تنفي مسئولية الدولة تماما عن ما جرى ويجري للأقباط. وبالإضافة إلى العنف وكافة مظاهر التمييز الممنهج، فالواقع والحقيقة أن غلق المناصب الهامة أمام الأقباط منذ عام 1952 هو قرار سيادي من الدولة، ولهذا تدير الدولة العميقة ملف الأقباط حتى الآن.
ولهذا فالأقباط ممنوعون على وجه التحديد من دخول المخابرات والأمن الوطني (إلا كعملاء يعملون بالقطعة!) ورئاسة الجمهورية وكافة مؤسسات الدولة العميقة، وهذه سياسة ثابتة حتى لو كانت غير معلنة… حتى عدد الأقباط ممنوع إعلانه… فهل المتطرفون هم من يمنعون حتى إعلان تعداد الأقباط؟!!
الكذبة العاشرة: تقول السيدة فاطمة ناعوت «هل يريد المسيحي المصري أن يحصل على حقوقه كمواطن أم كلاجئ أو وافد أو أقلية فى دولة مضيفة؟»
وهى بهذا الكلام تهدد الأقباط وتبتزهم ـ فعليا وعمليا ـ إذ تخيّرهم بين قبول ما تفرضه الدولة من مواطَنة مشوّهة على الطريقة الإسلامية، وبين خيار أن يتحولوا إلى لاجئين في دول مضيفة… والغريب أنه نفس الخيار الذي طرحه الشيخ اليعقوبي (عايز تقبل تعيش كما نريد، أو كندا مفتوحة؟؟!)
ولهذا كررت أكثر من مرة أن الأقباط «يعيشون فى رغد العيش فى أمريكا وكندا وأوروبا»، وبالتالي عليهم أن يتوقفوا عن الحديث عن أقباط مصر… وهذا بالضبط هو موقف الأجهزة الأمنية فى مصر وموقف الإسلاميين أيضا، أن يتوقف الأقباط في المهجر عن الدفاع عن أهلهم وعائلاتهم المضطهدة فى مصر ويتركوهم لمصيرهم المخطط له.
***
ما سبق جزء من أكاذيب السيدة فاطمة ناعوت التى تغلفها بورق السلوفان وتبيعها لبسطاء الأقباط فتساهم بذلك في القضاء عليهم، إذ تهدم القضية القبطية وتهدّ أركانها لصالح الدولة العميقة فى مصر..
السيدة فاطمة ناعوت ظهرت فجأة فى السنوات الأخيرة كصوت يدّعى أنه «يدافع عن الأقباط»، وهي تُشكر عليه إن كان لوجه الحق والمساواة والمبادئ الإنسانية. وقد تمت دعوتها للمؤتمر بحسن نية وبدافع مدّ الأيدي والانفتاح على مختلف الآراء، بالذات من داخل مصر، وأيضا من باب التعاطف معها شخصيا بعد الحكم الابتدائي عليها في قضية «ازدراء الأديان» بسبب آرائها في بعض نقاط التراث الإسلامي. ولكن الواضح أنها جاءت لتبيع للأقباط سلعا مسمومة، متجاهلة أنها أمام مجموعة مهنية وحقوقية تقف حارسة ـ بدون تشنج أو مبالغات ـ لميراث القضية القبطية الذى تركه الرعيل الأول من أجل الدفاع عن شعبهم المضطهد فى مصر.
______________________