أحمد خير الدين ـ التحرير ـ
حين انتهت المناقشة السريعة لقانون بناء دور العبادة تسابقت اللجان الإلكترونية في اعتبار الأمر إنجازا جديدا يضاف إلى قائمة الفتوحات اليومية للدولة، دون أن يفوتهم بالطبع السخرية ممن اعترضوا على بعض مواد القانون وتخوفوا من استخدام البعض الآخر من جانب الأمن والطائفيين في حصار من نوع جديد للأقباط. صارت هذه الحوادث هي كل ما نستقبله من المنيا.
أُقر القانون، ولم يتغير شيء. صار خبر الهجوم على كنيسة أو حصار منزل ينوي أصحابه تحويله إلى بيت عبادة حدثا شهريا تتكرر تفاصيله وملابساته وتعامل الأمن واعتراضات الأقباط عليه.
في الشارع أقام أقباط عزبة الفرن بالمنيا صلاة عيد العذراء أمس بعد أن أغلقت قوات الأمن مبنى اعتادوا إقامة العبادات فيه، ومنعت دخول الكهنة لإتمام الشعائر “لعدم الحصول على تصريح رسمي”، وذلك بموجب القانون الأخير الذي يعتبر أن الصلاة لا بد أن تقام في “كنيسة” استوفت الإجراءات.
في كل هذا الذي يحيط بنا، وبعد مرور كل هذه السنوات والعبور فوق مئات الكوارث تسأل نفسك متى يتوقف اعتبار “الأغلبية” ممارسة غيرها لطقوس دينه اعتداء عليه؟ ذات الممارسات دون تتغير، وبنفس المبررات. هذا منزل لم يكن كنيسة، حرص رهيب من جانب المواطنين على اتباع القانون كما ترى.
وإن كانت كنيسة بنيت بشكل قانوني واستوفت الإجراءات ولم يستطع هؤلاء منع هذا الاعتداء على سيادتهم فما العمل؟ تحرك عاجل واستنفار لبحث الأمر. لنقلل الخسائر. نثير أزمة تنتهي بأكبر انتصار ممكن. لنجعلها بلا صلبان مثلا أو بدون سور خارجي أو بأقل مساحة للبناء. ونعود منتشين بقدرتنا على المواجهة.
مع كل أزمة شبيهة تتسابق مقالات عديدة في الإشادة بالبابا تواضروس، لأنه حكيم لا يتدخل بمواجهة تلك الأزمات، ولا ينساق إلى الأصوات التي تظهر منتقدة هذه الإجراءات ويكتفي بمناشدة المسئولين حل الأمر عبر قنوات ليست علنية، كأن ما جرى كانت نتيجة كارثة طبيعية أو حادثة قدرية، لكن هؤلاء يعرفون جيدا كما يعرف الأقباط كذلك أن الرجل ليس كسابقه، لا يريد أن تظهر الأزمات الطائفية وتتضخم رغبة منه في عدم إحراج السلطة التي يجدد تأييدها لها في كل مرة. بينما يتململ المواطنون الأقباط كل مرة من صمته وهدوءه، ويفرح الطائفيون ولا يخفون شماتتهم مع كل واقعة.
في أيام كالتي يتخوف فيها أي فرد من الحديث أو الحركة أو الإتيان بأي تصرف يلقي به في غيابات الحبس الاحتياطي لا حرية للتجمع في مصر إلا للطائفيين الذين يستطيعون في كل مرة الانطلاق بأعداد كبيرة وبانسيابية مدهشة، وقدرة على الحصار والاعتداء وإنهاء المهمة بكفاءة، ثم العودة حين تظهر الشرطة التي تأتي متأخرة هذه المرة أيضا، ليشعر المجني عليه أنه في حماية من سينقذه من مصير أسوأ وعليه أن يسمع الكلام في كل مرة لتجنب ذلك.
في دراسة مفصلة أعدها إسحاق إبراهيم الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في أكتوبر من العام الماضي تحت عنوان “مغلق لدواع أمنية.. التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء الكنائس” بدا واضحا أن القانون استمرار لنفس المنهج في التعامل وتقنين لوضع طائفي قائم، وزيادة للضغوط التي تمارس على الأقباط، كما حصرت الدراسات الاعتداءات التي جرت على كنائس أو مبان ينوي الأهالي تحويلها إلى أماكن صلاة.
تكرار الحوادث دفع الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وقرقاص مجددا لإعلان غضبه بشكل يخالف الطريقة التي تتبعها الكنيسة مؤخرا. في أكثر من لقاء تليفزيوني وبيان رسمي بدا الرجل في لهجة أقرب إلى تلك التي تموج بها صفحات وحسابات الأقباط على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ضاقت ذرعا بالتضييق والإصرار على التعامل كـ”طائفة” لا كمواطنين.
وهي القناعة التي لا تتمتع بها السلطة وأجهزتها فقط. بل امتدت إلى رئيس واحد من أكبر الأحزاب المصرية القريبة من الدولة حاليا -عصام خليل- الذي قال في حوار مع صحيفة “الدستور” إنه ضد مصطلح “المواطنة” لأن تطبيقه يعني “تفتيتا” للدول.
سلسلة إجراءات وممارسات جديدة اتبعها الأمن مع الأقباط ظاهرها الحماية من الهجمات الإرهابية وجوهرها مزيد من فرض السيطرة عليهم، ودفعهم إلى العودة إلى خانة الطائفة التي عليها أن تمشي بحسابات السلطة، وترضى بما تقسمه لها من تنازلات، طلب موافقة لأي فاعلية أو نشاط، قيود على الرحلات والتجمعات تجعلك تصدق أن الأمن يخشى على حياتهم فعلا، ثم ترى مشاهد جنود الأمن المركزي المتراصين في تحفز في شوارع القرية، لا لشيء سوى منع نفس المواطنين من أداء الصلاة!
______________
http://www.tahrirnews.com/Posts/share/825454