in Arabic !حتى يصدق الأقباط الدولة الآن

!حتى يصدق الأقباط الدولة الآن

-

محمد علي إبراهيم ـ المصري اليوم ـ 

الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا يوم 17 نوفمبر 1997.. يصل الرئيس الأسبق مبارك للأقصر بعد المذبحة الشهيرة التى راح ضحيتها أكبر عدد لضحايا الإرهاب فى مصر ونفذها ستة إرهابيين.. بعد أن استمع مبارك لروايات من رضا عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية وإلى مكالمة من اللواء سامى عنان قائد المنطقة الذى كان أول من أخبره بالكارثة تليفونيا.. توجه الرئيس الأسبق باللوم للمشير طنطاوى واللواء الألفى وزير الداخلية قائلا كلمة واحدة «دا تهريج»..

وكررها مرة أخرى بعد عودته للقاهرة وعزل وزير داخليته ومساعده رؤوف المناوى.. المهاجمون تنكروا فى زى رجال الأمن وقتلوا 58 سائحا سويسريا ويابانيا فى 45 دقيقة بالإضافة لرجال الأمن المصريين الذين كانوا يحرسون الدير البحرى، حيث وقعت المجزرة..

الخلل الأمنى بدا واضحا فى تنكر المهاجمين فى زى رجال الأمن ومحاصرة السياح من ثلاث جهات والتسليح الردىء جدا للشرطة المصرية فى مواجهة أسلحة متقدمة للإرهابيين.. والأهم أن المسؤولين حاولوا كل من جهته إلقاء المسؤولية على الآخر.. الشرطة قالت إنها مسؤولية القوات المسلحة ونفى العسكريون ذلك.. ظهر اللواء عمر سليمان مدير المخابرات للمرة الأولى وحسم الخلاف قائلا إنها مسؤولية الداخلية.. وبناء عليه تم عزل حسن الألفى وتعيين العادلى، واستمرت مصر بلا أحداث كبيرة من 1997 حتى 2005 عندما وقعت انفجارات طابا وشرم الشيخ.. مقتل المهاجمين لم يمنع إقالة وزير الداخلية!

الخلل الأمنى فى كل الحوادث هو دائما مفتاح اللغز.. وهو ما كان ظاهرا فى حادث البطرسية التى تعد ثانى أكبر كارثة من حيث عدد القتلى بعد الأقصر.. ترك أفراد الأمن موقعهم لشأن ما.. تراخيهم جاء استنادا إلى الحراسة الكثيفة المشددة على الكاتدرائية المجاورة.. وعدم وجود بوابات إلكترونية.. خبراء الأمن يؤكدون دائما أن أى عملية إرهابية يسبقها رصد من المجرمين للهدف، ويبدو أن هذا ما حدث للكنيسة البطرسية.. تم دراسة المخارج والمداخل.. وتواجد أفراد الأمن واستغلال الثغرة الموجودة بالباب الجانبى.. واختيار التوقيت سواء فى تغيير الوردية أو الذهاب لتناول الإفطار.. الثغرات موجودة فى كل دول العالم من أمريكا لفرنسا لتركيا.. غير أن الأهداف تختلف..

فى مصر كان الهدف سابقا رجال الدولة فى التسعينات: رفعت المحجوب وعاطف صدقى وصفوت الشريف وحسن الألفى وقبلهم نبوى إسماعيل.. الغرض إظهار «هشاشة» النظام الحاكم والانتقام لقيادات الجماعة الإسلامية المحتجزين بالسجون قبل مبادرة وقف العنف التى خرج على إثرها زعمائهم مثل ناجح إبراهيم وكرم زهدى وغيرهم..

أهداف الإرهاب تختلف مرحليا.. فبعد 30 يونيو كان الهدف كسر النظام وانتزاع سيناء ومعاقبة الشعب على تأييد ما سموه الانقلاب على الشرعية..

ثم تم استهداف رجال الجيش والشرطة انتقاما لفض رابعة ولإظهار أن الجيش الذى يفخر بأنه العاشر على مستوى العالم والمتسلح بأقوى وأحدث المقاتلات والمعدات الحربية عاجز عن قهر إرهاب يطبق أسلوب حرب العصابات.. وعندما فشل الإرهاب فى المخططات السابقة انطلق يبحث عن الفتنة.. شق نسيج الأمة.. فعلوها من قبل بعد اغتيال السادات وكادوا ينجحون فى عزل محافظات الصعيد وإعلان أسيوط إمارة إسلامية.. يعودون الآن لنفس التكتيك.. النظام يؤكد دائما بفخر أنه حمى مصر من مصير سوريا وليبيا والعراق.. إذن لنجعلها مثلهم.. نحول «القاهرة» إلى نموذج مصغر من حلب أو الموصل أو غيرهما.. هذا المخطط ربما يحقق بعض النجاح إذا ما تمت مواجهته بالسلاح فقط.. لكن المهم أن يواجه بالسلاح والقانون وتغيير العقلية الأمنية والتعليم وإعلاء الدولة المدنية..

(1)

إن أهم ما استرعى نظرى فى خطاب الرئيس بعد التراجيديا البطرسية هو كم التشكيك الذى أحاط به.. السيسى يدرك أن هناك هوة سحيقة بين الدولة والشعب..

من ثم استمر يؤكد أن المعلومات الأمنية صادقة ويشير لتحليل الأنسجة وبتفاصيل كان فى غنى عنها لو كانت الناس تصدق الدولة دون أن تقسم.. السبب هو الخطاب الدينى المستمر فى التحريض والتعليم المستمر فى الفشل.. تجديد الخطاب الدينى لن يتم بتوجيهات الرئيس وعناق القساوسة والمشايخ والنظارات السوداء التى تخفى دموعا تحجرت فى مآقيها.. مفتاح التقدم هو التعليم، ويبدو أن الرئيس لا يؤمن بذلك، فهو مقتنع بأن التعليم لن يجدى نفعا فى وطن ضائع.. ضياع الوطن سببه أن الدولة تتسابق فى التجميل والإبهار بينما التعليم يهوى من حالق..

التعليم هو طوق النجاة لمصر وللأقباط.. الدولة فى واد والشعب فى آخر.. كيف يصدق الاقباط الدولة وهم يرونها تسلم ملف الأقباط فى الصعيد للتطرف الدينى الوهابى والسلفيين فيما يسمى بـ «بيت العائلة»… والأمن يوافق على تهجيرهم حقنا للدماء كما يزعمون.. كيف يصدق الأقباط الدولة ومناهج التعليم بالأزهر والتربية والتعليم تحض على كراهية الآخر وتنفر منه.. بعض الزوايا والمساجد مازالت تحرص على كراهية الكافرين وتدعو فى خطب الجمعة إلى الجهاد ضد الصليبيين.. الشباب تم غسل أدمغتهم.. فالمتهمون فى تفجير الكنيسة البطرسية اعترفوا بأنهم تلقوا أموالا كثيرة من تنظيمات إرهابية كبرى وتعلموا الأساليب القتالية فى سيناء..

هؤلاء السفاحون هم نتاج تعليم بائس وفقر مدقع وإحساس بالدونية فى دولة تتفاخر بالإنجازات وتتطاول فى البنيان لكنها للأسف «مخوخة» من الأساس.. لا تستبعد أن نموذج «محمود شفيق» ما زال موجودا.. ربما سيقتل عددا آخر سواء مسلمين أو مسيحيين.. التعليم يفرز مشتاقين لدخول الجنة شهداء إذا ما أجهزوا على دولة الكفر.. العدالة مازالت مثل السلحفاة تتلكأ فى قضايا خطيرة وتسرع فى أخرى غيرها..

(2)

وتسألنى عن التعليم فأقول لك إنه الجسر الذى سيصل بين الدولة والشعب.. طبيعى أن يتساءل المصريون والأقباط بصفة خاصة عن الدولة التى تكتشف هوية مجرم من أشلائه فى ساعات وتعجز عن تفجير عقل الإرهاب ومدرسته التى تخرّج إلينا يوميا عشرات من «مشروعات شهداء الجهاد»..

الآن استقرار مصر على المحك.. تحتاج منظومة متكاملة فى التعليم والمعيشة والعلاج والخدمات.. هذه فرصة هائلة لتجديد الخطاب الدينى لحشد الشعب ضد الإرهاب وسفك الدماء.. المنظر الذى يتكرر فى الصعيد والقاهرة ومدن أخرى لمواكب تشييع جثامين الأقباط ملفوفة بعلم مصر ويقف خلفها رجال الدين يتمتمون بآيات من القرآن وإصحاحات من الإنجيل، آن له أن ينتهى.. مسيرات الشموع والبكائيات والمسيرات ليست حلاً..

الصور الرسمية التى نشرتها الصحف للرئيس والبابا ورئيس الحكومة والوزراء والمشايخ فى الجنازة المهيبة مكانها المتحف.. صور صماء لا حياة فيها.. مكررة مثل دواء الضغط والسكرى.. روتينية تفتقد الحياة.. المدارس مطالبة منذ أمس بأن تحل دروس الوطنية والانتماء والمواطنة محل حصص الحساب والعلوم والتاريخ.. أساتذة المناهج لا يدرون أن إعادة امتحان التلاميذ فيما يحفظون وليس ما يفهمون ينتج عنه سحق وتشويه واستنزاف العقل وجعله مادة خصبة لزرع التطرف بعد أن يفقد الصغير أى أمل..

إن من سارعوا لشكر الداخلية وأولئك الذين هددوا الصحفيين ومعهم المتطوعين لتعديل الدستور لم يقرأوا مواقع الأقباط ولم يسمعوا صرخات وأنات الجرحى ولا قرأوا التعليقات الغاضبة من منع مشاركة أهل الضحايا فى الجنازة.. الألم القبطى تفجّر شلالا، ولابد للدولة أن تحتوى هذا الغضب قبل فوات الأوان.. حتى لا تصبح مصر لبنان آخر..

مصر وهى على حافة الخطر عليها أن تسارع فى تدشين الدولة المدنية والتخلص من آثار ثقافة الدم والاستشهاد ومصطلحات الذميين والوهابيين التى غزتنا منذ السبعينات.

ألغوا خانة الديانة من بطاقات الرقم القومى.. احظروا قيام الأحزاب الدينية التى دخل بعضها البرلمان.. ضيقوا الفجوة بين الفقراء والأغنياء.. اجعلوا مصر دولة وطنية مدنية فعلا.. حقوق المواطنة مظلة شاملة لكل أبناء الوطن داخلها تختفى الكلمات الحماسية والشعارات الجوفاء.. الدولة المدنية والتعليم هما الحصن الذى سيمنع الإرهاب من تفجير المنازل وصالات الأفراح.. هما الركيزتان اللتان ستمنعان إقامة فرع إسلامى لداعش فى مصر يرفع الرايات السوداء.. افتحوا النوافذ للأفكار الجديدة.. لا تطاردوا المدعين والمجودين وتقربوا من يأمروا نساءكم بالنقاب وختان الإناث والزواج المبكر..

احذروا هذا الوطن كاد أن يتحول من مهد الحضارات الثلاث إلى سرادق عزاء للديانات الأخرى.. أفيقوا يرحمكم الله..

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1059214

?s=96&d=mm&r=g !حتى يصدق الأقباط الدولة الآن

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

محمد علي إبراهيم ـ المصري اليوم ـ 

الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا يوم 17 نوفمبر 1997.. يصل الرئيس الأسبق مبارك للأقصر بعد المذبحة الشهيرة التى راح ضحيتها أكبر عدد لضحايا الإرهاب فى مصر ونفذها ستة إرهابيين.. بعد أن استمع مبارك لروايات من رضا عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية وإلى مكالمة من اللواء سامى عنان قائد المنطقة الذى كان أول من أخبره بالكارثة تليفونيا.. توجه الرئيس الأسبق باللوم للمشير طنطاوى واللواء الألفى وزير الداخلية قائلا كلمة واحدة «دا تهريج»..

وكررها مرة أخرى بعد عودته للقاهرة وعزل وزير داخليته ومساعده رؤوف المناوى.. المهاجمون تنكروا فى زى رجال الأمن وقتلوا 58 سائحا سويسريا ويابانيا فى 45 دقيقة بالإضافة لرجال الأمن المصريين الذين كانوا يحرسون الدير البحرى، حيث وقعت المجزرة..

الخلل الأمنى بدا واضحا فى تنكر المهاجمين فى زى رجال الأمن ومحاصرة السياح من ثلاث جهات والتسليح الردىء جدا للشرطة المصرية فى مواجهة أسلحة متقدمة للإرهابيين.. والأهم أن المسؤولين حاولوا كل من جهته إلقاء المسؤولية على الآخر.. الشرطة قالت إنها مسؤولية القوات المسلحة ونفى العسكريون ذلك.. ظهر اللواء عمر سليمان مدير المخابرات للمرة الأولى وحسم الخلاف قائلا إنها مسؤولية الداخلية.. وبناء عليه تم عزل حسن الألفى وتعيين العادلى، واستمرت مصر بلا أحداث كبيرة من 1997 حتى 2005 عندما وقعت انفجارات طابا وشرم الشيخ.. مقتل المهاجمين لم يمنع إقالة وزير الداخلية!

الخلل الأمنى فى كل الحوادث هو دائما مفتاح اللغز.. وهو ما كان ظاهرا فى حادث البطرسية التى تعد ثانى أكبر كارثة من حيث عدد القتلى بعد الأقصر.. ترك أفراد الأمن موقعهم لشأن ما.. تراخيهم جاء استنادا إلى الحراسة الكثيفة المشددة على الكاتدرائية المجاورة.. وعدم وجود بوابات إلكترونية.. خبراء الأمن يؤكدون دائما أن أى عملية إرهابية يسبقها رصد من المجرمين للهدف، ويبدو أن هذا ما حدث للكنيسة البطرسية.. تم دراسة المخارج والمداخل.. وتواجد أفراد الأمن واستغلال الثغرة الموجودة بالباب الجانبى.. واختيار التوقيت سواء فى تغيير الوردية أو الذهاب لتناول الإفطار.. الثغرات موجودة فى كل دول العالم من أمريكا لفرنسا لتركيا.. غير أن الأهداف تختلف..

فى مصر كان الهدف سابقا رجال الدولة فى التسعينات: رفعت المحجوب وعاطف صدقى وصفوت الشريف وحسن الألفى وقبلهم نبوى إسماعيل.. الغرض إظهار «هشاشة» النظام الحاكم والانتقام لقيادات الجماعة الإسلامية المحتجزين بالسجون قبل مبادرة وقف العنف التى خرج على إثرها زعمائهم مثل ناجح إبراهيم وكرم زهدى وغيرهم..

أهداف الإرهاب تختلف مرحليا.. فبعد 30 يونيو كان الهدف كسر النظام وانتزاع سيناء ومعاقبة الشعب على تأييد ما سموه الانقلاب على الشرعية..

ثم تم استهداف رجال الجيش والشرطة انتقاما لفض رابعة ولإظهار أن الجيش الذى يفخر بأنه العاشر على مستوى العالم والمتسلح بأقوى وأحدث المقاتلات والمعدات الحربية عاجز عن قهر إرهاب يطبق أسلوب حرب العصابات.. وعندما فشل الإرهاب فى المخططات السابقة انطلق يبحث عن الفتنة.. شق نسيج الأمة.. فعلوها من قبل بعد اغتيال السادات وكادوا ينجحون فى عزل محافظات الصعيد وإعلان أسيوط إمارة إسلامية.. يعودون الآن لنفس التكتيك.. النظام يؤكد دائما بفخر أنه حمى مصر من مصير سوريا وليبيا والعراق.. إذن لنجعلها مثلهم.. نحول «القاهرة» إلى نموذج مصغر من حلب أو الموصل أو غيرهما.. هذا المخطط ربما يحقق بعض النجاح إذا ما تمت مواجهته بالسلاح فقط.. لكن المهم أن يواجه بالسلاح والقانون وتغيير العقلية الأمنية والتعليم وإعلاء الدولة المدنية..

(1)

إن أهم ما استرعى نظرى فى خطاب الرئيس بعد التراجيديا البطرسية هو كم التشكيك الذى أحاط به.. السيسى يدرك أن هناك هوة سحيقة بين الدولة والشعب..

من ثم استمر يؤكد أن المعلومات الأمنية صادقة ويشير لتحليل الأنسجة وبتفاصيل كان فى غنى عنها لو كانت الناس تصدق الدولة دون أن تقسم.. السبب هو الخطاب الدينى المستمر فى التحريض والتعليم المستمر فى الفشل.. تجديد الخطاب الدينى لن يتم بتوجيهات الرئيس وعناق القساوسة والمشايخ والنظارات السوداء التى تخفى دموعا تحجرت فى مآقيها.. مفتاح التقدم هو التعليم، ويبدو أن الرئيس لا يؤمن بذلك، فهو مقتنع بأن التعليم لن يجدى نفعا فى وطن ضائع.. ضياع الوطن سببه أن الدولة تتسابق فى التجميل والإبهار بينما التعليم يهوى من حالق..

التعليم هو طوق النجاة لمصر وللأقباط.. الدولة فى واد والشعب فى آخر.. كيف يصدق الاقباط الدولة وهم يرونها تسلم ملف الأقباط فى الصعيد للتطرف الدينى الوهابى والسلفيين فيما يسمى بـ «بيت العائلة»… والأمن يوافق على تهجيرهم حقنا للدماء كما يزعمون.. كيف يصدق الأقباط الدولة ومناهج التعليم بالأزهر والتربية والتعليم تحض على كراهية الآخر وتنفر منه.. بعض الزوايا والمساجد مازالت تحرص على كراهية الكافرين وتدعو فى خطب الجمعة إلى الجهاد ضد الصليبيين.. الشباب تم غسل أدمغتهم.. فالمتهمون فى تفجير الكنيسة البطرسية اعترفوا بأنهم تلقوا أموالا كثيرة من تنظيمات إرهابية كبرى وتعلموا الأساليب القتالية فى سيناء..

هؤلاء السفاحون هم نتاج تعليم بائس وفقر مدقع وإحساس بالدونية فى دولة تتفاخر بالإنجازات وتتطاول فى البنيان لكنها للأسف «مخوخة» من الأساس.. لا تستبعد أن نموذج «محمود شفيق» ما زال موجودا.. ربما سيقتل عددا آخر سواء مسلمين أو مسيحيين.. التعليم يفرز مشتاقين لدخول الجنة شهداء إذا ما أجهزوا على دولة الكفر.. العدالة مازالت مثل السلحفاة تتلكأ فى قضايا خطيرة وتسرع فى أخرى غيرها..

(2)

وتسألنى عن التعليم فأقول لك إنه الجسر الذى سيصل بين الدولة والشعب.. طبيعى أن يتساءل المصريون والأقباط بصفة خاصة عن الدولة التى تكتشف هوية مجرم من أشلائه فى ساعات وتعجز عن تفجير عقل الإرهاب ومدرسته التى تخرّج إلينا يوميا عشرات من «مشروعات شهداء الجهاد»..

الآن استقرار مصر على المحك.. تحتاج منظومة متكاملة فى التعليم والمعيشة والعلاج والخدمات.. هذه فرصة هائلة لتجديد الخطاب الدينى لحشد الشعب ضد الإرهاب وسفك الدماء.. المنظر الذى يتكرر فى الصعيد والقاهرة ومدن أخرى لمواكب تشييع جثامين الأقباط ملفوفة بعلم مصر ويقف خلفها رجال الدين يتمتمون بآيات من القرآن وإصحاحات من الإنجيل، آن له أن ينتهى.. مسيرات الشموع والبكائيات والمسيرات ليست حلاً..

الصور الرسمية التى نشرتها الصحف للرئيس والبابا ورئيس الحكومة والوزراء والمشايخ فى الجنازة المهيبة مكانها المتحف.. صور صماء لا حياة فيها.. مكررة مثل دواء الضغط والسكرى.. روتينية تفتقد الحياة.. المدارس مطالبة منذ أمس بأن تحل دروس الوطنية والانتماء والمواطنة محل حصص الحساب والعلوم والتاريخ.. أساتذة المناهج لا يدرون أن إعادة امتحان التلاميذ فيما يحفظون وليس ما يفهمون ينتج عنه سحق وتشويه واستنزاف العقل وجعله مادة خصبة لزرع التطرف بعد أن يفقد الصغير أى أمل..

إن من سارعوا لشكر الداخلية وأولئك الذين هددوا الصحفيين ومعهم المتطوعين لتعديل الدستور لم يقرأوا مواقع الأقباط ولم يسمعوا صرخات وأنات الجرحى ولا قرأوا التعليقات الغاضبة من منع مشاركة أهل الضحايا فى الجنازة.. الألم القبطى تفجّر شلالا، ولابد للدولة أن تحتوى هذا الغضب قبل فوات الأوان.. حتى لا تصبح مصر لبنان آخر..

مصر وهى على حافة الخطر عليها أن تسارع فى تدشين الدولة المدنية والتخلص من آثار ثقافة الدم والاستشهاد ومصطلحات الذميين والوهابيين التى غزتنا منذ السبعينات.

ألغوا خانة الديانة من بطاقات الرقم القومى.. احظروا قيام الأحزاب الدينية التى دخل بعضها البرلمان.. ضيقوا الفجوة بين الفقراء والأغنياء.. اجعلوا مصر دولة وطنية مدنية فعلا.. حقوق المواطنة مظلة شاملة لكل أبناء الوطن داخلها تختفى الكلمات الحماسية والشعارات الجوفاء.. الدولة المدنية والتعليم هما الحصن الذى سيمنع الإرهاب من تفجير المنازل وصالات الأفراح.. هما الركيزتان اللتان ستمنعان إقامة فرع إسلامى لداعش فى مصر يرفع الرايات السوداء.. افتحوا النوافذ للأفكار الجديدة.. لا تطاردوا المدعين والمجودين وتقربوا من يأمروا نساءكم بالنقاب وختان الإناث والزواج المبكر..

احذروا هذا الوطن كاد أن يتحول من مهد الحضارات الثلاث إلى سرادق عزاء للديانات الأخرى.. أفيقوا يرحمكم الله..

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1059214