أحمد عبد التواب ـ التحرير
هل توقفَتْ أجهزةٌ رسميةٌ مسئولةٌ ودرست باهتمام التفاصيل الدقيقة لما يسبق جرائم العدوان المتتالية على الأقباط الآمنين فى بعض القرى النائية فى الصعيد؟
ألا يلفت النظر هذا التطابق الغريب العجيب فى الأغلبية العظمى من هذه الجرائم؟ أن تكون بداية الحدث عقب الصلاة فى المسجد، وغالباً ما تكون بعد صلاة الجمعة، وبعد أن يُوجِّه الخطيب، أو بعض الشخصيات المؤثرة فى القرية، خطابات نارية تستثير الحضور بأن الإسلام فى خطر، لأن أقباط القرية يبنون كنيسة ليؤدّوا فيها شعائرهم، أو أنهم يُصلِّون بالفعل فى بيت أحدهم، ويذكر المُحرِّضون الأسماء والعناوين، ويلهبون المشاعر ويُهيِّجون المصلين ضد هذه الأماكن وضد الأشخاص المذكورين، ويُحذِّرونهم من العار الذى سوف يلحق بكل من يتباطأ فى الدفاع عن شرع الله المهدد..إلخ إلخ، فينطلق الجمع وقد اشتعلوا بالغضب والرغبة فى الضرب والهدم وإشعال النيران دفاعاً عن دين الله، وهم فى حالة يغيب فيها العقل كُليَّة، فلا يسأل أحدهم نفسه عن الخطأ فى أن تُبنَى كنيسة، أو فى أن يؤدى المسيحيون شعائرهم فيها أو فى منزل أحدهم، أو حتى عن صحة الواقعة إذا ما كان هنالك فعلاً مشروع لكنيسة.
ومن الأسئلة المهمة التى لا تدور فى ذهن أحدهم: كيف لأى من هذا، أو لكل هذا مجتمعاً، أن يُشكِّل أى خطر على الإسلام؟! وما هو بالتحديد الخطر من وراء بناء كنيسة فى القرية إلى جوار هذا العدد الضخم من المساجد والزوايا؟ وكيف يمكن أن يتسق غضبهم وكراهيتهم وعنفهم مع الإسلام الذى يكثرون القول بأنه يعطى الحرية لمن شاء أن يؤمن ومن شاء أن يكفر، وإن مبدأه أن لا إكراه فى الدين؟..إلخ
ألا ينزعج المسئولون من أن يعطى بعض المواطنين أنفسهم حقوقاً، هى فى أصلها حصرية للدولة، فى تنفيذ ما يعتقدون أنه قانون أو أنه حق يجب أن يُستحق؟ مَن مَنَحَ هؤلاء تصريحاً باستخدام العنف ضد أحد؟ ومن أوهمهم أن من حقهم ضرب أحد أو ترويعه أو تهديده بأذى فى نفسه أو فى ذويه؟ ومن قال إن من حق فئة فى المجتمع أن تزيل بالقوة منشأة، أى منشأة، حتى إذا كانت مخالفة للقانون؟ ماذا تفعل أجهزة الدولة إذن؟ ألا يعلم هؤلاء المواطنون أن أقصى ما يمنحه لهم القانون هو أن يُبلِغوا الجهات المختصة المعنية بالتعامل مع المخالفين وتقرير الإجراء واجب الاتباع فى شأن المنشأة المخالفة، أو أن يتخذ هؤلاء المواطنون إجراءات، قد تصل إلى تحريك دعاوى قضائية، ضد هذه الجهات إذا هى تقاعست عن تطبيق القانون أو تواطأت على تعطيله؟
كل هذه الأسئلة لا تطرح النصوص الدستورية التى تقرر أن حرية الاعتقاد مطلقة، وأن حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون (المادة 64). كما تتحدث المادة 53 عن أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وأنه لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة..إلخ إلخ، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأن الدولة تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وأن القانون ينظم إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. ولكن، وللأسف، لم يصدر بعد القانون المنظم لإنشاء المفوضية، برغم أنه من القوانين المكملة للدستور والتى كان يجب أن تصدر فى دور الانعقاد الأول الذى انقضى وجاء بعده الدور الثانى الذى لم يُدرَج فيه القانون بعد!
لقد اتضح منذ زمن أن الموضوع أكبر من أن يقتصر على أجهزة الأمن، ولكن، وللأسف الشديد، فإن بقية أجهزة الدولة حتى الآن لم تتقرر لها مسئوليات محددة، ولم تقم بالدور المتوقع منها! بل إن بعض الأجهزة لا تزال تهدر بعض جهود الأمن فى التحرى والتحقيق وإلقاء القبض على المتهمين، ومنهم من هو متلبس، إصراراً فى المضى مع منهج المصالحات العرفية، برغم أنه أثبت فشله طوال السنوات الماضية، لأنه بات فى يقين المتطرفين أنهم سوف يفعلون ما يَعنّ لهم، وهم ضامنون أن هنالك مصالحة تعطل مسار القانون ضد جرائمهم. بل كثيراُ ما يجرى فرض المصالحة على المسيحيين الذين هم الجانب المضار، ويرضخون تحت وطأت التهديد بالمزيد من الاضطهاد.
ومما يثير الخوف والفزع عن المستقبل أن الكثير من المشاركين فى هذه التظاهرات ضد المسيحيين والفاعلين فى الهتاف والهجوم هم من الأطفال الصغار الذين تتلوث أدمغتهم فى هذه السن الغضة بأفكار كارثية، مقرونة بمشاركة تظل محفورة فى أذهانهم مع التقدم فى العمر، وأنه إذا استمر الحال على ماهو عليه، دون معاقبة على هذه الجرائم، فسوف تكون هذه الذكريات لهم من أعمال البطولة الجديرة بأن يفخروا بها!
بعض الأسئلة المطروحة، والكثير من الأسئلة الأخرى التى تفرض نفسها من آن لآخر، تخرج عن حدود مسئوليات الأمن، بل وعن قدراته. وليس من المنطق إلقاء كل الأعباء على رجال الأمن ثم إبداء المفاجأة بعد هذا بأنهم عجزوا عن تحقيق المستهدف. المنطق يقول إن التصدى للتطرف مسئولية المجتمع كله، خاصة الجهات المعنية بالبحث العلمى، فهى الأقدر على دراسة جذور المشكلة وتطورها وتعقدها، ومن المأمول أن تضع يدها على ممكنات الحل ومناهجه، وعلى أن تُطرح هذه الاجتهادات على النقاش العام، لكى يشارك المجتمع كله فى إيجاد الحل فى إطار القانون واجب الاحترام.
____________________
http://www.tahrirnews.com/Posts/share/581266