in Arabic «تعددت الاعتداءات والهدف «الكنيسة

«تعددت الاعتداءات والهدف «الكنيسة

-

مصطفى محيي ـ مدى مصر ـ

فتحت أحداث العنف الطائفي في الخانكة، في نوفمبر 1972، بابًا للاعتداء على الكنائس لم يُغلق حتى اليوم. تنوعت أشكال الاعتداءات وأسبابها ومرتكبوها ودرجة عنفها طوال العقود الخمس الماضية، إلا أنها أبقت الكنائس ومرتاديها من المصلين هدفًا دائمًا.

في نوفمبر 1972، هاجم عدد من المواطنين المسلمين جمعية الكتاب المقدس في مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، وأحرقوا مبناها واعتدوا على مرتاديها. وكانت الجمعية تُستخدم كمكان للصلاة لعدم وجود كنيسة قريبة، وهو ما دفع البعض للاحتشاد أمامها ومهاجمتها بدعوى أنها جمعية وليست مكانًا للصلاة. وتطورت الأحداث بحضور نحو 400 رجل دين مسيحي إلى المدينة لإقامة الصلاة أمام المبنى المُخرّب، وعلى إثر ذلك قام آخرون بحرق عدد كبير من محلات ومنازل الأقباط.

لم تكن هذه هي الواقعة الأخيرة خلال فترة حكم الرئيس أنور السادات، فقد تلتها أحداث العنف الطائفي في الزاوية الحمراء سنة 1981، والتي كانت أكثر دموية. وبدأت هذه المرة بسبب اعتزام الأقباط بناء كنيسة على قطعة أرض خلاء، وهو ما اعترض عليه بعض السكان وتطور النزاع من شجار بين الأهالي إلى معركة بالأسلحة سقط فيها العشرات من القتلى. وفي كلا الواقعتين وُجّهت انتقادات للدولة ومؤسساتها طالت وزارة الداخلية لبطئها في التعامل مع أحداث العنف، والرئيس السادات نفسه بسبب تهوينه لما حدث وزعمه أنها استثنائية.

كسرت الواقعتان حاجزًا لم يعد أبدًا كما كان، وعبّرتا عن توتر مكبوت سابق على وقوعهما، وطوال العقود الماضية تنوعت وقائع الاعتداء على الكنائس. يرصد «مدى مصر» في السطور التالية أربعة أنماط من الاعتداء على الكنائس خلال السنوات الستة الماضية بحسب مرتكبيها، وبحسب نوعيتها، بين اعتداءات من قِبل جماعات إرهابية مسلحة، واعتداءات أهلية من مواطنين مسلمين في إطار أحداث عنف طائفي، واعتداءات من قِبل الدولة على حق بناء الكنائس وترميمها، وأخيرًا، اعتداءات على الكنائس بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

عنف المسلحين.. تفجيرات وإطلاق رصاص

لم يكن قد مضى على بداية عام 2011 عشرون دقيقة، عندما انفجرت عبوة ناسفة أمام كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس في الإسكندرية، أدت إلى مقتل 24 شخصًا وإصابة قرابة 100 آخرين. قبل التفجير بأسبوعين، أصدر تنظيم القاعدة في العراق تحذيرًا إلى الكنائس والسلطات المصرية، يطالبها بإطلاق سراح من وصفهن بـ «الأسيرات المسلمات» خلال 48 ساعة وإلا سيتم استهداف الكنائس المصرية، في إشارة إلى السيدتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، اللتين شاع وقتها أنهما محتجزتان لدى إحدى الكنائس بعد التحول إلى الدين الإسلامي. وفي 23 يناير من العام نفسه، أعلن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أن تنظيم «جيش الإسلام» في غزة هو المسؤول عن تفجير «القديسين».

فجّر استهداف كنيسة القديسين، وعدد الضحايا الكبير، غضب المواطنين الأقباط، الذين تظاهروا بالآلاف في القاهرة؛ أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وفي إمبابة وشبرا. وصبّ المتظاهرون غضبهم على التقصير الأمني الذي أدى إلى الحادث، خاصة أنه أتى بعد عام من استهداف كنيسة أخرى في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا في 7 يناير 2010، حيث تم إطلاق النار على المصلين عقب خروجهم من قداس عيد الميلاد مما أسفر عن مقتل 7 مواطنين وإصابة العشرات.

بخلاف تصريح العادلي، لم تُعلن حتى الآن نتيجة التحقيقات في قضية تفجير «القديسين» ولم يُقدم أي مسؤول عن التفجير للمحاكمة.

ثم في 29 يناير 2011، تعرضّت كنيسة مارجرجس والعائلة المقدسة في مدينة رفح الحدودية إلى اعتداءات مسلحة وعمليات نهب وحرق من مُسلحين ملثّمين. وجاءت الواقعة أثناء أحداث ثورة 25 يناير، وتحديدًا في اليوم التالي لجمعة الغضب التي انتهت باختفاء تام لقوات الأمن من المدن المصرية، مما جعل هناك صعوبة في تحديد المسؤولين عن الاعتداء.

في أكتوبر 2013، تعرض حفل زفاف في كنيسة العذراء بحي الوراق في محافظة الجيزة لإطلاق نيران، مما أسفر عن مقتل أربعة مواطنين. لاحقًا، أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على تسعة أفراد، ضمن 27 شخصًا اتهمتهم سلطات الأمن بالمسؤولية عن تخطيط وتنفيذ الاعتداء. ونشر موقع «العربية» تقريرًا جاء فيه أن تحقيقات النيابة كشفت أن فردي الأمن المكلفين بحراسة الكنيسة لم يكونا مسلحين، وأنهما تركا موقع الحراسة بسبب عدم توفير سلاح لهما، واكتفيا بتوقيع الحضور والانصراف في قسم شرطة الوراق بشكل يومي، وذلك منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

العنف الأهلي ضد الكنائس.. الأكثر انتشارًا

رصد تقرير «مُغلق لدواعٍ أمنية: التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء وترميم الكنائس»، الصادر من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في أكتوبر الماضي، وقوع 74 اعتداءً على الكنائس بسبب ممارسة الشعائر الدينية في الفترة من 25 يناير 2011 حتى أغسطس من العام الجاري.

لم يتضمن الحصر الاعتداءات التي وقعت بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وكذلك أي اعتداءات لأسباب أخرى مثل علاقات عاطفية بين طرفين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، أو مشاجرات عادية تحولت إلى عنف طائفي، أو سريان شائعة بحدوث واقعة ازدراء أديان.

ومثلّت الاعتداءات، بغرض منع بناء وترميم وتوسيع كنائس قائمة، 35٪ من إجمالي الاعتداءات التي رصدها التقرير. بينما جاءت الاعتداءات، بغرض منع استكمال بناء مباني خدمية، في المرتبة الثانية بنسبة 24٪ من إجمالي حالات الاعتداء. وجاء منع الصلاة في كنيسة تحت الإنشاء في المرتبة الثالثة بنسبة 16٪.

وجاءت محافظة المنيا في صدارة المحافظات التي شهدت اعتداءات طائفية بسبب ممارسة الشعائر، بحسب التقرير الذي سجّل فيها 31 حالة من إجمالي الحالات. تلتها محافظتا بني سويف وسوهاج في المرتبة الثانية، بسبعة حالات لكل منهما، ثم القليوبية وأسيوط بخمس حالات في كل منهما.

وتوزعت الاعتداءات على فترات الحكم الأربعة التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بمبارك. فوقع العدد الأكبر من الاعتداءات في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بواقع 25 حادثة اعتداء. وأتى في المرتبة الثانية عهدا المجلس العسكري والرئيس الأسبق محمد مرسي بـ 21 حالة لكل منهما، ثم فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور بواقع سبع حالات اعتداء.

الدولة والاعتداء على حق بناء الكنائس

تُمثل أحداث العنف المرتبطة ببناء كنيسة العمرانية، في أكتوبر 2010، الواقعة الأكثر تأثيرًا في ذلك السياق. بدأت الوقائع مع انتشار خبر أن السلطات التنفيذية قد اعترضت على تحويل مبنى خدمي تحت الإنشاء في العمرانية إلى كنيسة لإقامة الصلوات، بالمخالفة للترخيص، وأنها تعتزم إيقاف أعمال البناء. على الفور، تجمّع العشرات من المواطنين الأقباط من محيط منطقة العمرانية داخل الكنيسة خوفًا من هدمها واحتجاجًا على وقف أعمال البناء، ثم حضرت قوات الأمن المركزي التي حاولت تفريق المحتشدين واشتبكت معهم، مما أدى إلى سقوط قتيل والعشرات من المصابين وإلقاء القبض على 157 متظاهرًا استمر حبس بعضهم حتى شهر يناير 2011.

تُعد أحداث كنيسة العمرانية هي الأهم في أزمة علاقة الدولة بعملية بناء الكنائس وترميمها وتوسيعها، إلا أنها ليست الوحيدة. ففي 7 أبريل 2013، وأثناء تشييع جنازة خمسة ضحايا في أحداث عنف طائفي بالخصوص، من مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، هاجم عدد من المواطنين الجنازة بالحجارة وقذائف المولوتوف وأعيرة الخرطوش، ورد المشيعون الهجوم بالحجارة. وتطورت الأحداث حتى وصلت إلى مهاجمة الداخلية للمشيعين المحاصرين داخل الكاتدرائية بقنابل الغاز.

ويرصد التقرير السابق، «مُغلق لدواعٍ أمنية»، خمسة أنماط لتضييق الدولة على بناء كنائس جديدة وترميم القديم أو ترخيص كنائس قائمة بالفعل، وترك القرار في معظم هذه الحالات إلى الجهات الأمنية، بحسب التقرير.

وتتنوع هذه الأنماط لتضم: مناطق بدون كنائس، حيث هناك المئات من القرى والتوابع لا توجد بها كنائس، وفقًا للتقرير، الذي يضرب مثالا بإبراشية المنيا وأبو قرقاص، التي تضم مركزين فقط من مراكز المحافظة، ويتبعها 150 قرية ومنطقة تحتاج إلى كنائس للصلاة فيها. وحصرت الدراسة فقط 11 قرارًا لبناء كنائس في الفترة ما بين 25 يناير 2011 إلى أغسطس 2016، في مقابل رفض الدولة لتصاريح بناء عديدة.

أما النمط الثاني لتضييق الدولة فيتعلق بكنائس مغلقة لدواعٍ أمنية. فوفقًا لكاتب التقرير، إسحق إبراهيم، قدم مسؤولون دينيون ونشطاء قائمة إلى رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف في مايو 2011، بها 49 كنيسة وبيت للخدمة تم إغلاقها لدواعٍ أمنية في 12 محافظة في مقدمتها المنيا والشرقية وأسيوط وقنا. وأوضح إبراهيم أنه قام بزيارة عدد آخر من الكنائس المغلقة، غير متضمنة في الحصر، كان يصلي بها، مثل كنيسة الملاك ميخائيل بقرية اﻷقالتة بمحافظة اﻷقصر، وكنيسة مار جرجس بمدينة الغنايم بمحافظة أسيوط.

النمط الثالث للتضييق هو كنائس البيوت. مثل كنيسة اﻷنبا كاراس بمدينة سمالوط، على سبيل المثال، والتي بنيت عام 2015 كمصنع للمسامير، وتم تهيئته للصلاة. وتُستخدم المنازل والأملاك الخاصة للتغلب على صعوبة إصدار تصاريح بناء كنائس جديدة، بينما هناك نمط رابع يرتبط بهدم وإعادة بناء وترميم وتوسيع الكنائس. وتعطي الدراسة مثالًا بكنيسة مارجرجس بقرية حجازة بمركز قوص بمحافظة قنا، حيث حصلت على تصريح بالهدم والبناء، ثم تعرضت لاعتداء تسبب في توقف البناء. وبعد رفض اﻷجهزة اﻷمنية السماح بإعادة ترميم الكنيسة، قام المسؤول الديني برفع دعوى قضائية وحصل على حكم قضائي في 2005 باستكمال البناء، وما زال اﻷمن يمنع استكمال بناء الكنيسة حتى اﻵن على الرغم من الحكم. وأخيرًا هناك المباني الخدمية والدينية، حيث يتم اللجوء إليها لسهولة الحصول على التراخيص نسبيًا وتوفير أماكن للصلوات بها.

في معظم الحالات الواقعة ضمن الأنماط الخمسة المذكورة، تقع حوادث من العنف الأهلي تتدخل الدولة بعدها لإيقاف أعمال البناء وتدين تحويل منزل أو مبنى خدمي إلى كنيسة بدون ترخيص.

حرق الكنائس بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة

تعرّضت عشرات الكنائس لأعمال حرق وتخريب عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013. وشهدت تلك الفترة إتهامًا من مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي للأقباط، والكنيسة الأرثوذكسية تحديدًا، بدعم الإطاحة بالرئيس، وبأن الأقباط هم من شكلوا أغلبية المتظاهرين في 30 يونيو.

وأطلق معهد التحرير للدراسات، في واشنطن، خريطة تفاعلية تُحدّث بواسطة الجمهور، لرصد أعمال العنف ذات الطابع الطائفي. وسجلت الخريطة 88 حالة اعتداء على كنائس خلال شهر أغسطس 2013 وحده، وهو رقم يقارب ما رصدته تقارير محلّية أخرى.

وشهدت محافظتا المنيا وأسيوط النسبة الأكبر من الاعتداءات المرتبطة بعزل مرسي، بالإضافة إلى ما حدث في محافظات أخرى مثل السويس والعريش وسوهاج والقاهرة والجيزة.

ـــــــــــــــــــــــــ

تصوير روجيه أنيس – صورة: Roger Anis

تعددت الاعتداءات والهدف «الكنيسة»

?s=96&d=mm&r=g «تعددت الاعتداءات والهدف «الكنيسة

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

مصطفى محيي ـ مدى مصر ـ

فتحت أحداث العنف الطائفي في الخانكة، في نوفمبر 1972، بابًا للاعتداء على الكنائس لم يُغلق حتى اليوم. تنوعت أشكال الاعتداءات وأسبابها ومرتكبوها ودرجة عنفها طوال العقود الخمس الماضية، إلا أنها أبقت الكنائس ومرتاديها من المصلين هدفًا دائمًا.

في نوفمبر 1972، هاجم عدد من المواطنين المسلمين جمعية الكتاب المقدس في مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، وأحرقوا مبناها واعتدوا على مرتاديها. وكانت الجمعية تُستخدم كمكان للصلاة لعدم وجود كنيسة قريبة، وهو ما دفع البعض للاحتشاد أمامها ومهاجمتها بدعوى أنها جمعية وليست مكانًا للصلاة. وتطورت الأحداث بحضور نحو 400 رجل دين مسيحي إلى المدينة لإقامة الصلاة أمام المبنى المُخرّب، وعلى إثر ذلك قام آخرون بحرق عدد كبير من محلات ومنازل الأقباط.

لم تكن هذه هي الواقعة الأخيرة خلال فترة حكم الرئيس أنور السادات، فقد تلتها أحداث العنف الطائفي في الزاوية الحمراء سنة 1981، والتي كانت أكثر دموية. وبدأت هذه المرة بسبب اعتزام الأقباط بناء كنيسة على قطعة أرض خلاء، وهو ما اعترض عليه بعض السكان وتطور النزاع من شجار بين الأهالي إلى معركة بالأسلحة سقط فيها العشرات من القتلى. وفي كلا الواقعتين وُجّهت انتقادات للدولة ومؤسساتها طالت وزارة الداخلية لبطئها في التعامل مع أحداث العنف، والرئيس السادات نفسه بسبب تهوينه لما حدث وزعمه أنها استثنائية.

كسرت الواقعتان حاجزًا لم يعد أبدًا كما كان، وعبّرتا عن توتر مكبوت سابق على وقوعهما، وطوال العقود الماضية تنوعت وقائع الاعتداء على الكنائس. يرصد «مدى مصر» في السطور التالية أربعة أنماط من الاعتداء على الكنائس خلال السنوات الستة الماضية بحسب مرتكبيها، وبحسب نوعيتها، بين اعتداءات من قِبل جماعات إرهابية مسلحة، واعتداءات أهلية من مواطنين مسلمين في إطار أحداث عنف طائفي، واعتداءات من قِبل الدولة على حق بناء الكنائس وترميمها، وأخيرًا، اعتداءات على الكنائس بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

عنف المسلحين.. تفجيرات وإطلاق رصاص

لم يكن قد مضى على بداية عام 2011 عشرون دقيقة، عندما انفجرت عبوة ناسفة أمام كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس في الإسكندرية، أدت إلى مقتل 24 شخصًا وإصابة قرابة 100 آخرين. قبل التفجير بأسبوعين، أصدر تنظيم القاعدة في العراق تحذيرًا إلى الكنائس والسلطات المصرية، يطالبها بإطلاق سراح من وصفهن بـ «الأسيرات المسلمات» خلال 48 ساعة وإلا سيتم استهداف الكنائس المصرية، في إشارة إلى السيدتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، اللتين شاع وقتها أنهما محتجزتان لدى إحدى الكنائس بعد التحول إلى الدين الإسلامي. وفي 23 يناير من العام نفسه، أعلن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أن تنظيم «جيش الإسلام» في غزة هو المسؤول عن تفجير «القديسين».

فجّر استهداف كنيسة القديسين، وعدد الضحايا الكبير، غضب المواطنين الأقباط، الذين تظاهروا بالآلاف في القاهرة؛ أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وفي إمبابة وشبرا. وصبّ المتظاهرون غضبهم على التقصير الأمني الذي أدى إلى الحادث، خاصة أنه أتى بعد عام من استهداف كنيسة أخرى في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا في 7 يناير 2010، حيث تم إطلاق النار على المصلين عقب خروجهم من قداس عيد الميلاد مما أسفر عن مقتل 7 مواطنين وإصابة العشرات.

بخلاف تصريح العادلي، لم تُعلن حتى الآن نتيجة التحقيقات في قضية تفجير «القديسين» ولم يُقدم أي مسؤول عن التفجير للمحاكمة.

ثم في 29 يناير 2011، تعرضّت كنيسة مارجرجس والعائلة المقدسة في مدينة رفح الحدودية إلى اعتداءات مسلحة وعمليات نهب وحرق من مُسلحين ملثّمين. وجاءت الواقعة أثناء أحداث ثورة 25 يناير، وتحديدًا في اليوم التالي لجمعة الغضب التي انتهت باختفاء تام لقوات الأمن من المدن المصرية، مما جعل هناك صعوبة في تحديد المسؤولين عن الاعتداء.

في أكتوبر 2013، تعرض حفل زفاف في كنيسة العذراء بحي الوراق في محافظة الجيزة لإطلاق نيران، مما أسفر عن مقتل أربعة مواطنين. لاحقًا، أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على تسعة أفراد، ضمن 27 شخصًا اتهمتهم سلطات الأمن بالمسؤولية عن تخطيط وتنفيذ الاعتداء. ونشر موقع «العربية» تقريرًا جاء فيه أن تحقيقات النيابة كشفت أن فردي الأمن المكلفين بحراسة الكنيسة لم يكونا مسلحين، وأنهما تركا موقع الحراسة بسبب عدم توفير سلاح لهما، واكتفيا بتوقيع الحضور والانصراف في قسم شرطة الوراق بشكل يومي، وذلك منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

العنف الأهلي ضد الكنائس.. الأكثر انتشارًا

رصد تقرير «مُغلق لدواعٍ أمنية: التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء وترميم الكنائس»، الصادر من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في أكتوبر الماضي، وقوع 74 اعتداءً على الكنائس بسبب ممارسة الشعائر الدينية في الفترة من 25 يناير 2011 حتى أغسطس من العام الجاري.

لم يتضمن الحصر الاعتداءات التي وقعت بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وكذلك أي اعتداءات لأسباب أخرى مثل علاقات عاطفية بين طرفين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، أو مشاجرات عادية تحولت إلى عنف طائفي، أو سريان شائعة بحدوث واقعة ازدراء أديان.

ومثلّت الاعتداءات، بغرض منع بناء وترميم وتوسيع كنائس قائمة، 35٪ من إجمالي الاعتداءات التي رصدها التقرير. بينما جاءت الاعتداءات، بغرض منع استكمال بناء مباني خدمية، في المرتبة الثانية بنسبة 24٪ من إجمالي حالات الاعتداء. وجاء منع الصلاة في كنيسة تحت الإنشاء في المرتبة الثالثة بنسبة 16٪.

وجاءت محافظة المنيا في صدارة المحافظات التي شهدت اعتداءات طائفية بسبب ممارسة الشعائر، بحسب التقرير الذي سجّل فيها 31 حالة من إجمالي الحالات. تلتها محافظتا بني سويف وسوهاج في المرتبة الثانية، بسبعة حالات لكل منهما، ثم القليوبية وأسيوط بخمس حالات في كل منهما.

وتوزعت الاعتداءات على فترات الحكم الأربعة التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بمبارك. فوقع العدد الأكبر من الاعتداءات في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بواقع 25 حادثة اعتداء. وأتى في المرتبة الثانية عهدا المجلس العسكري والرئيس الأسبق محمد مرسي بـ 21 حالة لكل منهما، ثم فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور بواقع سبع حالات اعتداء.

الدولة والاعتداء على حق بناء الكنائس

تُمثل أحداث العنف المرتبطة ببناء كنيسة العمرانية، في أكتوبر 2010، الواقعة الأكثر تأثيرًا في ذلك السياق. بدأت الوقائع مع انتشار خبر أن السلطات التنفيذية قد اعترضت على تحويل مبنى خدمي تحت الإنشاء في العمرانية إلى كنيسة لإقامة الصلوات، بالمخالفة للترخيص، وأنها تعتزم إيقاف أعمال البناء. على الفور، تجمّع العشرات من المواطنين الأقباط من محيط منطقة العمرانية داخل الكنيسة خوفًا من هدمها واحتجاجًا على وقف أعمال البناء، ثم حضرت قوات الأمن المركزي التي حاولت تفريق المحتشدين واشتبكت معهم، مما أدى إلى سقوط قتيل والعشرات من المصابين وإلقاء القبض على 157 متظاهرًا استمر حبس بعضهم حتى شهر يناير 2011.

تُعد أحداث كنيسة العمرانية هي الأهم في أزمة علاقة الدولة بعملية بناء الكنائس وترميمها وتوسيعها، إلا أنها ليست الوحيدة. ففي 7 أبريل 2013، وأثناء تشييع جنازة خمسة ضحايا في أحداث عنف طائفي بالخصوص، من مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، هاجم عدد من المواطنين الجنازة بالحجارة وقذائف المولوتوف وأعيرة الخرطوش، ورد المشيعون الهجوم بالحجارة. وتطورت الأحداث حتى وصلت إلى مهاجمة الداخلية للمشيعين المحاصرين داخل الكاتدرائية بقنابل الغاز.

ويرصد التقرير السابق، «مُغلق لدواعٍ أمنية»، خمسة أنماط لتضييق الدولة على بناء كنائس جديدة وترميم القديم أو ترخيص كنائس قائمة بالفعل، وترك القرار في معظم هذه الحالات إلى الجهات الأمنية، بحسب التقرير.

وتتنوع هذه الأنماط لتضم: مناطق بدون كنائس، حيث هناك المئات من القرى والتوابع لا توجد بها كنائس، وفقًا للتقرير، الذي يضرب مثالا بإبراشية المنيا وأبو قرقاص، التي تضم مركزين فقط من مراكز المحافظة، ويتبعها 150 قرية ومنطقة تحتاج إلى كنائس للصلاة فيها. وحصرت الدراسة فقط 11 قرارًا لبناء كنائس في الفترة ما بين 25 يناير 2011 إلى أغسطس 2016، في مقابل رفض الدولة لتصاريح بناء عديدة.

أما النمط الثاني لتضييق الدولة فيتعلق بكنائس مغلقة لدواعٍ أمنية. فوفقًا لكاتب التقرير، إسحق إبراهيم، قدم مسؤولون دينيون ونشطاء قائمة إلى رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف في مايو 2011، بها 49 كنيسة وبيت للخدمة تم إغلاقها لدواعٍ أمنية في 12 محافظة في مقدمتها المنيا والشرقية وأسيوط وقنا. وأوضح إبراهيم أنه قام بزيارة عدد آخر من الكنائس المغلقة، غير متضمنة في الحصر، كان يصلي بها، مثل كنيسة الملاك ميخائيل بقرية اﻷقالتة بمحافظة اﻷقصر، وكنيسة مار جرجس بمدينة الغنايم بمحافظة أسيوط.

النمط الثالث للتضييق هو كنائس البيوت. مثل كنيسة اﻷنبا كاراس بمدينة سمالوط، على سبيل المثال، والتي بنيت عام 2015 كمصنع للمسامير، وتم تهيئته للصلاة. وتُستخدم المنازل والأملاك الخاصة للتغلب على صعوبة إصدار تصاريح بناء كنائس جديدة، بينما هناك نمط رابع يرتبط بهدم وإعادة بناء وترميم وتوسيع الكنائس. وتعطي الدراسة مثالًا بكنيسة مارجرجس بقرية حجازة بمركز قوص بمحافظة قنا، حيث حصلت على تصريح بالهدم والبناء، ثم تعرضت لاعتداء تسبب في توقف البناء. وبعد رفض اﻷجهزة اﻷمنية السماح بإعادة ترميم الكنيسة، قام المسؤول الديني برفع دعوى قضائية وحصل على حكم قضائي في 2005 باستكمال البناء، وما زال اﻷمن يمنع استكمال بناء الكنيسة حتى اﻵن على الرغم من الحكم. وأخيرًا هناك المباني الخدمية والدينية، حيث يتم اللجوء إليها لسهولة الحصول على التراخيص نسبيًا وتوفير أماكن للصلوات بها.

في معظم الحالات الواقعة ضمن الأنماط الخمسة المذكورة، تقع حوادث من العنف الأهلي تتدخل الدولة بعدها لإيقاف أعمال البناء وتدين تحويل منزل أو مبنى خدمي إلى كنيسة بدون ترخيص.

حرق الكنائس بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة

تعرّضت عشرات الكنائس لأعمال حرق وتخريب عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013. وشهدت تلك الفترة إتهامًا من مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي للأقباط، والكنيسة الأرثوذكسية تحديدًا، بدعم الإطاحة بالرئيس، وبأن الأقباط هم من شكلوا أغلبية المتظاهرين في 30 يونيو.

وأطلق معهد التحرير للدراسات، في واشنطن، خريطة تفاعلية تُحدّث بواسطة الجمهور، لرصد أعمال العنف ذات الطابع الطائفي. وسجلت الخريطة 88 حالة اعتداء على كنائس خلال شهر أغسطس 2013 وحده، وهو رقم يقارب ما رصدته تقارير محلّية أخرى.

وشهدت محافظتا المنيا وأسيوط النسبة الأكبر من الاعتداءات المرتبطة بعزل مرسي، بالإضافة إلى ما حدث في محافظات أخرى مثل السويس والعريش وسوهاج والقاهرة والجيزة.

ـــــــــــــــــــــــــ

تصوير روجيه أنيس – صورة: Roger Anis

تعددت الاعتداءات والهدف «الكنيسة»