وزارة الخارجيّة الأمريكيّة – قسم حماية الحُريّات الدينيّة –
ورقة مقدَّمة من فرانك ر. وولف، عضو الكونجرس الأمريكي في الفترة من ١٩٨١-٢٠١٤
في البداية، أود أن أقدَّم الشكر لإدارة الرئيس دونالد ترامب ونائبه السيد مايك بينس، كما أشكر وزير الخارجيّة السيد بومبيو وسعادة السفير براونباك وكل العاملين في وزارة الخارجيّة الذين يعملون على نشر الحريّة الدينيّة ودعمها على مستوى العالم. كما أوجّه الشكر أيضًا لحضراتكم جميعًا من أجل حضوركم هذا اللقاء ومن أجل كل الأعمال الطيّبة التي تُساهمون بها في هذا المجال.
لعل الكثيرين منكم يعرفون كلمات أغنية “الملاكم” التي شدا بها كُلٌّ من سايمون وجارفانكل في سنترال بارك. تقول كلماتُها: “يسمع الإنسان ما يرغب في سماعه، وينبذ ما سوى ذلك“.
ما أكثر صرخات المضطهدين التي يرفض البعضُ سماعَها. لقد أشار الكتاب المُقدّس مرّات كثيرة إلى الاضطهاد والظُلم وأيضًا إلى الحريّة الكاملة.
ففي سفر الجامعة يقول الكتاب المقدّس: “ثُمَّ رَجَعْتُ وَرَأَيْتُ كُلَّ الْمَظَالِمِ الَّتِي تُجْرَى تَحْتَ الشَّمْسِ: فَهُوَذَا دُمُوعُ الْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ، أَمَّا هُمْ فَلاَ مُعَزّ لَهُمْ” (٤: ١).
وتتضمن تشريعاتُنا نصوصًا تدعم بقُوّة الحرّية الدينيّة، ويقوّي هذه التشريعات تاريخٌ/تقليدٌ عظيم من القوانين وصولًا إلى الماجنا كارتا. ومن البديهي أيضًا أن التمتُّع بالحريّة الدينيّة ضرورة تستلزمها الكرامة الإنسانيّة في المجتمع الدولي.
وكما هو مكتوب في إعلان الاستقلال الأمريكي: “نحن نرى أن هذه الحقائق بديهيّة، وأن جميع البشر خُلقوا متساوين، وأنهم وُهبوا من خالقهم حقوقًا غير قابلة للتصرُّف، وأن من بين هذه الحقوق حقّ الحياة والحرية والسعي وراء السعادة“.
إن هذه الكلمات معروفة لجميع البشر حول العالم، بل معروفة حتى لطُلاب ساحة تيانانمين. إن الحريّة الدينيّة قيمةٌ كونيّة، وهي تستحق أن نحميها رغم أنها غالبًا ما يُساء استخدامُها.
وتنُص المادة ١٨ من الإعلان العالمي لحُقوق الإنسان على: “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفِكر والضمير والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والمُمارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.
إنني أقف أمامكم اليوم لكي أُعرب عن شُعورٍ متنامٍ بالضرورة والإلحاح لتعرية حالة الحُريّات الدينيّة حول العالم. ففي كل مكان من عالم اليوم تُنكَر الحقوق الأساسيّة الّتي لا ينبغي مصادرتها، مثل حُرية إظهار الدين وحُريّة مُمارسة المعتقدات حسب ما يُمليه الضمير الإنسانيّ على صاحبه.
وبينما نحن مجتمعون في هذا المكان اليوم، فإن ثمانين بالمئة من سُكان العالم؛ أي ما يعادل خمسة ونصف مليار نسمة، يعانون جرّاء العيش في أقطار تقمع الحريّات الدينيّة، وذلك طبقًا لبيانات مركز “بيو” للأبحاث.
إن المهمّة مُلحّة وعاجلة!
والطموحات بعيدة.
يتبقّى لنا فقط أن نختبر ما إذا كانت مسرّة الصالحين من البشر وإرادتهم سوف تقودهم للعمل من أجل هذا الهدف اليوم.
عبر رحلة الوظائف التي عملتُ بها نقلتُ شهادتي عن الحالة المأساوية للاضطهاد الديني الذي يُمثّل حقيقة يوميّة لكثيرين من البشر حول العالم، من الصين إلى إيران، ومن باكستان إلى كوريا الشّماليّة إلى بورما. قد يختلف شكل القمع من دولة إلى أخرى لكن المُحصلّة واحدة: التضييق، الخوف، السِجن، بل أيضًا الموت، لا لشيء إلا بسبب ما يعتنقه المرء من أفكار.
انظروا معي إلى العالم اليوم:
- الروهينجا في بورما يُواجهون الإبادة الجماعيّة.
- المسيحيّون والإيزيديّون في العراق ضحايا عمليات الإبادة الجماعيّة (هناك ثلاثة آلاف فتاة إزيدية في قبضة داعش، وما زلنا لم نكتشف بعد المقابر الجماعيّة الّتي دُفن فيها الإزيديّون).
- البهائيّون في إيران يُضطهدون ويُسجنون.
- في نيجيريا، قُتل ٢١ ألف مسيحي مع مسلمين كثيرين، وتمّ تدمير تسعمائة كنيسة.
- وها نحن نرى انتعاش حركة “ضد الساميّة” في كل مكان من العالم حتى هنا في الولايات المتحدة.
وهناك أمور كثيرة أخرى لا بُد أنكم تعرفونها.
ففي الصين وحدها:
- تعيش الكنيسة الكاثوليكيّة تحت الضغوط والإكراه ويختفي الأساقفة الكاثوليك قسريًا (الأسقف سو).
- يُعتقل الرعاة البروتستانت وقادة الكنائس البيتيّة.
- يَحرِق الراهبات والرهبان البوذيّون أنفسَهم احتجاجًا على التطهير العرقي في التبت (كُل أماكن العبادة في التبت يُراقبها جهاز الشرطة العامّة).
- هناك مئات الآلاف من المسلمين الأويغوريّين –بما فيهم الأطفال- أُخذوا قسرًا من منازلهم، وتم ترحيلهم إلى معسكرات “إعادة تأهيل”. إنني على يقين أن هذا هذا الفعل يذكِّرنا بما فعله ماو، وستالين، والنازي. ومع ذلك فصمْتُ العالم هو سيد المشهد!
- يواجه الفالون كونج اضطهادًا رهيبًا، وهناك تقارير تؤكّد استئصال الأعضاء من أجساد البشر.
ألا ينبغي أن نتثقّل بالظُلم الكبير والاضطهاد الديني المنتشر حول العالم؟ رُبّما بدا لكم أن أولئك المضطهَدين بعيدون عن قاعات حكومتنا، وعن كنائسنا، وعن مجامعنا ومساجدنا. لكن هؤلاء الناس يتوقون إلى صلواتنا ويصرخون من أجل جذب انتباهنا.
وبالنسبة لي كتابع ليَسُوع المسيح، فإن الكتاب المُقدّس لا يترك لي مجالًا لأتهرّب من مسؤوليّة التجاوب ضد الظُلم. يأمرنا كاتب الرّسالة إلى العبرانيّين قائلًا: “اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَد” (١٣: ٣). وجاء في سفر إشعياء في العهد القديم: “إن أَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ” (٥٨: ١٠).
إنني على يقين أن شخصياتِنا تُصاغ ويُعاد تشكيلُها من جديد على شبه هؤلاء الناس كلما أخذنا على عاتقنا أن نشارك قصّصهم، وأن نبكي لأجل جراحاتهم، وأن نتدخّل من أجل صالحهم من خلال صلواتنا ودفاعنا المستمر عنهم. إنهم ضحايا الظُلم، والمضطهَدين، ومجهولو الهويّة، والذين يعيشون في أبعد مكان عنّا حيث الحروب، وحيث يكون من الصعب أن نعلن عن أماكن احتجازهم.
في الخطاب الذي كتبه القس مارتن لوثر كنج “خطاب من سِجن برمنجهام” (وهو واحد من أقوى الوثائق التي كُتبت في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيّة)، وأُرسل إلى أحد رجال الدين، قال لوثر كنج: “إن الظُلم الموجود في أي مكان هو تهديد بالظُلم في كلّ مكان .. إن ما يُصيب الفرد بشكل مباشر يُصيب الجميع بشكل غير مُباشر. لقد علّمتنا التجارب المؤلمة أن الحريّة لا يمنحها الظالم طواعية، بل يجب على المظلوم أن ينتزعها“. ويستطرد لوثر كنج قائلًا: “يأتي وقت حين يفيض كأس الاحتمال فيفقد البشر استعدادهم لاحتمال الظلم إذ شبع الناس من الكآبة واليأس“.
إن انتظار الوقت المناسب للتجاوب ليس اختيارًا طيّبًا!
- إن شعب الروهينجا في مخيمات بورما لا يمكنهم الانتظار لما هو أكثر من ذلك.
- إن الفتاة الإيزيديّة التي سُبيت وبِيعت ما زالت في قبضة داعش، ولا يمكن أن تنتظر لما هو أكثر.
- إن أقباط مصر المضطهدين في وطنهم لا يمكنهم الانتظار.
- والمرأة الباكستانيّة الكاثوليكيّة؛ آسيا بابي، التي صدر ضدّها حُكم الإعدام لا يمكنها الانتظار.
- وتلك الأم من قبيلة الشيبوك بنيجيريا، والتي أخذت حركة بوكو جرام ابنتها أسيرة لا تستطيع الانتظار (إن هاشتاح #bringbackourgirls دام لما يزيد عن أربعة أعوام ونحن لا يصلنا أي خبر عن هذه الفتاة).
- راهبات ورهبان التبت المعتقلون في سجن درابشي سيء السُمعة لا يمكنهم الانتظار.
- الكنيسة المسيحيّة العراقيّة التي تناقص عددُها من مليون ونصف المليون مسيحي في ٢٠٠٣م إلى ٢٠٠ ألف مسيحي حاليًا، لا يمكنها الانتظار.
- القس برانسون في سجون تركيا لا يستطيع الانتظار.
عندما سُئل إيلي فاسيل الذي نجا من محرقة الهولوكوست وفاز بجائزة نوبل للسلام فيما بعد، عن سبب حديثه المتواصل ضد الظُلم، قال: “إنني لو التزمتُ الصمت فرُبّما نجوتُ بنفسي، لكنني في هذه الحالة سأعيش سجينًا لذاتي لأني لا أساعد الآخرين. إن الصمت لا يمكن أن يُعين الضحية بل هو أفضل خدمة للمعتدي!” يا له من تعبير غاية في القوّة: إن الصمت ليس في صالح المظلوم وهو لا يخدم إلا مقاصد الظالمين. في الحقيقة إن الصمت يُشجّع فاعلي الشر على الاستمرار في عُنفهم وشرّهم!
في القرن الثامن عشر، تحدّث البرلماني الإنجليزي وليم ولبورفورث إلى أتباعه في الريف الإنجليزي عن شرور تجارة العبيد فقال: “يمكنك أن تختار أن تنظر إلى الناحية الأخرى، لكنك لن تستطيع فيما بعد أن تقول إنك لم تكن تعرف!“
قال الدكتور مارتن لوثر كنج ذات مرّة: “في النهاية، سوف لا نتذكّر كلمات أعدائنا بل سنتذكّر صمت أصدقائنا!”
ألسنا أصدقاء أولئك المُضطهدين؟!
هناك مقولة تُنسب دائمًا إلى القس اللوثري الألماني ديتريش بونهوفر الذي قاوم النازيّة. قال: “إن الصمت في مواجهة الشر هو شر في حد ذاته، فعدم الكلام هو نوع من الكلام، وعدم التصرّف هو نوع من التصرُّف!“
وعليه، وبعد حضورنا لهذا اللقاء، لا يُمكننا فيما بعد أن ندّعي أننا لا نعرف. وعندما نُغادر هذا المكان دعونا نُلزم أنفسنا بالكلام وبالفعل الذي يتعيّن علينا أن نقوم بهما.
_______________________________
Photo Credit: Virginia Guard Public Affairs
ترجمة منتدى الشرق الأوسط للحريات