in Arabic !تثبيت الدولة أم تثبيت النظام؟

!تثبيت الدولة أم تثبيت النظام؟

-

د. محمد أبو الغار ـ المصري اليوم ـ

أخذت أفكر عشرة أيام ماذا يعنى الرئيس بكلمة «تثبيت الدولة». الدولة المصرية ثابتة على الأرض منذ قدماء المصريين. كانت أحياناً تتوسع كما حدث فى الدولة المصرية القديمة وكما حدث فى عصر محمد على، ولكنها وبرغم فترات الاحتلال من الفرس والإغريق والرومان والدولة العثمانية والمماليك والإنجليز لم تتفتت مصر أو تتغير، وربما كان فقد تيران وصنافير هو أول تغيير طفيف فى جغرافية مصر، وقد تم ذلك ضد رغبة شعبية عارمة وحكم قضائى ناصع.

و لذا فإن اعتبار أن الدولة والنظام شىء واحد خطأ بالغ لأن النظام متغير بحكم الطبيعة والتاريخ والظروف، فقد حكمت مصر منذ 1954 بحكام ذوى خلفية عسكرية ولكن النظام كان مختلفاً تماماً فى عهد عبدالناصر عن عهد السادات أو مبارك أو السيسى. إذاَ النظام يتغير دائماً، وهذا يحدث فى الدول الديمقراطية عن طريق الانتخاب بصفة منتظمة وفى الدول الديكتاتورية يحدث عندما يتحلل النظام بسبب الأخطاء القاتلة المتتالية التى لا يراها الحاكم الأوحد من فرط الثقة والتصور أنه الوحيد الذى يفهم فيتغير النظام بثورة أو انقلاب أو تدخل خارجى ونادراً ما يتغير بانتخابات ديمقراطية. نحن لا نريد انهيار النظام فى مصر لأننا نحتاج استقراراً يساعد على خروج مصر من كبوتها، وما يحدث فى مصر الآن هو خطر يهدد تثبيت النظام والاستقرار والتقدم.

أولاً: توجه الرئيس الأساسى ناحية الإعلام، ماذا يريد الرئيس أكثر من ذلك؟ جميع الصحف القومية تهتف باسمه وباسم النظام ليل نهار ولا تسمح بأى كلمة ولو بسيطة فيها اختلاف. جميع التليفزيونات الأرضية تسبح باسم النظام طوال الوقت. جميع القنوات الفضائية اشتراها رجال أعمال تابعون للنظام بشراكة مع جهات سيادية. الصحف الخاصة عليها ضغوط رهيبة لتسير فى نفس الخط، ولو فعلت ذلك لأغلقت أبوابها. جميع الصحف والمواقع الإلكترونية المرخصة رسمياً تم إيقافها ومنعها ويتم شراء أجهزة بمئات الملايين من الدولارات للتحكم فى الإنترنت ووسائل التواصل. كل ذلك مش عاجب الرئيس وعاوز إعلام أكثر انتماء له. والصحفيين التابعين للنظام محتاسين ومش عارفين يعملوا أكثر من كده ايه؟

ثانياً: هل المصريون الآن يعرفون ما يريد النظام أن يخفيه بتأميم كل وسائل الإعلام؟ الحقيقة أن كل مصرى مهتم يعرف كل شىء بدقة. ما يدور فى الغرف المغلقة أصبح معروفاً. ما حدث فى وزارة الخارجية والداخلية والاستثمار وغيرها معروف بالتفاصيل الدقيقة ومكتوب ويصل إلى الناس وربما أيضاً بمبالغات لأن إخفاء الحقيقة يساعد على تضخيم أى خطأ. الصحف الأجنبية وترجماتها موجودة للجميع. النتيجة هى أن القنوات التى تذيع من تركيا وقطر أصبح لها جمهور كبير يزيد كل يوم وفى هذا خطر علينا. الشىء الوحيد الذى يوقف هذا الأمر هو انفتاح وسائل الإعلام المصرية وهو ما يعتقد الرئيس أنه ضد تثبيت النظام، بينما ثبت أن الحرية والديمقراطية هما اللذان يثبتان النظام فى القرن الـ21.

ثالثاً: قوانين كثيرة مثل قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، تضعف من استقلال القضاء وتؤدى إلى الفرقة بين القضاة وفى النهاية لا تحقق شيئاً لأن القاضى الأحق قد تم تجاوزه فاعتبره الشعب بطلاً قومياً واكتسب شعبية خصماً من الرئيس ولو ترك الأمر للأقدمية ما حدث شىء. هذه القوانين هى التى لا تثبت النظام وتثير قلاقل.

رابعاً: قرأت أنه تقرر أن الملحقين الدبلوماسيين الذين اجتازوا اختبارات الخارجية وتم تعيينهم سوف يقضون ستة شهور فى الكلية الحربية قبل استلامهم وظائفهم بصفة نهائية! هذا أمر غريب. الانتماء للوطن لا يتحقق بستة شهور فى الكلية الحربية وإنما يتم عبر ثقافة وتعليم وتدريب وتجربة حقيقية للدفاع عن الوطن وتاريخه والانتماء له. مثل هذه الأمور يجب أن تناقش فى مجلس قومى حقيقى يقول كل واحد رأيه بحرية ولا تأتى بقرار رئاسى.

خامساً: تثبيت النظام يتحقق إذا استطعنا أن نحافظ على الأمن فى سيناء وقضينا على كل العناصر الإرهابية، يعلم الكل أن كسب قبائل سيناء وخاصة الشباب منهم هو مفتاح النجاح وهذا ما نريده. القضاء على الإرهاب داخل الوادى أمر هام والتحقيق الصحفى الاستقصائى الذى نشرته «مدى مصر» عن الخلايا النوعية الإرهابية وكيفية تكوينها وعملها بتكنولوجيا متقدمة، هو شىء مرعب. الحلول الحقيقية الواقعية لهذه الأمور هى التى تقوم بتثبيت النظام.

سادساً: كل مصرى يموت فى أقسام الشرطة يولد معه عدد من الإرهابيين من عائلته وأصدقائه للانتقام. الهجوم على أماكن بها كثافة سكانية لطردهم من بيوتهم مثلما حدث فى الوراق يؤسس إلى تكوين جماعات ارهابية وإضعاف النظام. تثبيت النظام يتم بتغيير المعاملة وإيقاف التعذيب وإجراء محاكمات عاجلة. الشباب المحبوس احتياطياً بدون جريمة أو تحقيق أو قضية هو قنبلة إرهابية موقوتة.

وأخيراً، لقد تعدت الكثافة السكانية فى مصر كل الحدود الطبيعية، نحن نزيد حوالى 2.5 مليون سنوياً والدولة نايمة فى العسل. من المستحيل أن يتم تثبيت النظام أبداً بهذه الزيادة.

لا يوجد نظام ثابت للأبد وما يثبت النظام هو من يقودونه بالعدل والحكمة والمساواة بين الجميع. واضح أن تثبيت النظام يتم الآن بسياسة مختلفة تماماً..

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1173602

?s=96&d=mm&r=g !تثبيت الدولة أم تثبيت النظام؟

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

د. محمد أبو الغار ـ المصري اليوم ـ

أخذت أفكر عشرة أيام ماذا يعنى الرئيس بكلمة «تثبيت الدولة». الدولة المصرية ثابتة على الأرض منذ قدماء المصريين. كانت أحياناً تتوسع كما حدث فى الدولة المصرية القديمة وكما حدث فى عصر محمد على، ولكنها وبرغم فترات الاحتلال من الفرس والإغريق والرومان والدولة العثمانية والمماليك والإنجليز لم تتفتت مصر أو تتغير، وربما كان فقد تيران وصنافير هو أول تغيير طفيف فى جغرافية مصر، وقد تم ذلك ضد رغبة شعبية عارمة وحكم قضائى ناصع.

و لذا فإن اعتبار أن الدولة والنظام شىء واحد خطأ بالغ لأن النظام متغير بحكم الطبيعة والتاريخ والظروف، فقد حكمت مصر منذ 1954 بحكام ذوى خلفية عسكرية ولكن النظام كان مختلفاً تماماً فى عهد عبدالناصر عن عهد السادات أو مبارك أو السيسى. إذاَ النظام يتغير دائماً، وهذا يحدث فى الدول الديمقراطية عن طريق الانتخاب بصفة منتظمة وفى الدول الديكتاتورية يحدث عندما يتحلل النظام بسبب الأخطاء القاتلة المتتالية التى لا يراها الحاكم الأوحد من فرط الثقة والتصور أنه الوحيد الذى يفهم فيتغير النظام بثورة أو انقلاب أو تدخل خارجى ونادراً ما يتغير بانتخابات ديمقراطية. نحن لا نريد انهيار النظام فى مصر لأننا نحتاج استقراراً يساعد على خروج مصر من كبوتها، وما يحدث فى مصر الآن هو خطر يهدد تثبيت النظام والاستقرار والتقدم.

أولاً: توجه الرئيس الأساسى ناحية الإعلام، ماذا يريد الرئيس أكثر من ذلك؟ جميع الصحف القومية تهتف باسمه وباسم النظام ليل نهار ولا تسمح بأى كلمة ولو بسيطة فيها اختلاف. جميع التليفزيونات الأرضية تسبح باسم النظام طوال الوقت. جميع القنوات الفضائية اشتراها رجال أعمال تابعون للنظام بشراكة مع جهات سيادية. الصحف الخاصة عليها ضغوط رهيبة لتسير فى نفس الخط، ولو فعلت ذلك لأغلقت أبوابها. جميع الصحف والمواقع الإلكترونية المرخصة رسمياً تم إيقافها ومنعها ويتم شراء أجهزة بمئات الملايين من الدولارات للتحكم فى الإنترنت ووسائل التواصل. كل ذلك مش عاجب الرئيس وعاوز إعلام أكثر انتماء له. والصحفيين التابعين للنظام محتاسين ومش عارفين يعملوا أكثر من كده ايه؟

ثانياً: هل المصريون الآن يعرفون ما يريد النظام أن يخفيه بتأميم كل وسائل الإعلام؟ الحقيقة أن كل مصرى مهتم يعرف كل شىء بدقة. ما يدور فى الغرف المغلقة أصبح معروفاً. ما حدث فى وزارة الخارجية والداخلية والاستثمار وغيرها معروف بالتفاصيل الدقيقة ومكتوب ويصل إلى الناس وربما أيضاً بمبالغات لأن إخفاء الحقيقة يساعد على تضخيم أى خطأ. الصحف الأجنبية وترجماتها موجودة للجميع. النتيجة هى أن القنوات التى تذيع من تركيا وقطر أصبح لها جمهور كبير يزيد كل يوم وفى هذا خطر علينا. الشىء الوحيد الذى يوقف هذا الأمر هو انفتاح وسائل الإعلام المصرية وهو ما يعتقد الرئيس أنه ضد تثبيت النظام، بينما ثبت أن الحرية والديمقراطية هما اللذان يثبتان النظام فى القرن الـ21.

ثالثاً: قوانين كثيرة مثل قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، تضعف من استقلال القضاء وتؤدى إلى الفرقة بين القضاة وفى النهاية لا تحقق شيئاً لأن القاضى الأحق قد تم تجاوزه فاعتبره الشعب بطلاً قومياً واكتسب شعبية خصماً من الرئيس ولو ترك الأمر للأقدمية ما حدث شىء. هذه القوانين هى التى لا تثبت النظام وتثير قلاقل.

رابعاً: قرأت أنه تقرر أن الملحقين الدبلوماسيين الذين اجتازوا اختبارات الخارجية وتم تعيينهم سوف يقضون ستة شهور فى الكلية الحربية قبل استلامهم وظائفهم بصفة نهائية! هذا أمر غريب. الانتماء للوطن لا يتحقق بستة شهور فى الكلية الحربية وإنما يتم عبر ثقافة وتعليم وتدريب وتجربة حقيقية للدفاع عن الوطن وتاريخه والانتماء له. مثل هذه الأمور يجب أن تناقش فى مجلس قومى حقيقى يقول كل واحد رأيه بحرية ولا تأتى بقرار رئاسى.

خامساً: تثبيت النظام يتحقق إذا استطعنا أن نحافظ على الأمن فى سيناء وقضينا على كل العناصر الإرهابية، يعلم الكل أن كسب قبائل سيناء وخاصة الشباب منهم هو مفتاح النجاح وهذا ما نريده. القضاء على الإرهاب داخل الوادى أمر هام والتحقيق الصحفى الاستقصائى الذى نشرته «مدى مصر» عن الخلايا النوعية الإرهابية وكيفية تكوينها وعملها بتكنولوجيا متقدمة، هو شىء مرعب. الحلول الحقيقية الواقعية لهذه الأمور هى التى تقوم بتثبيت النظام.

سادساً: كل مصرى يموت فى أقسام الشرطة يولد معه عدد من الإرهابيين من عائلته وأصدقائه للانتقام. الهجوم على أماكن بها كثافة سكانية لطردهم من بيوتهم مثلما حدث فى الوراق يؤسس إلى تكوين جماعات ارهابية وإضعاف النظام. تثبيت النظام يتم بتغيير المعاملة وإيقاف التعذيب وإجراء محاكمات عاجلة. الشباب المحبوس احتياطياً بدون جريمة أو تحقيق أو قضية هو قنبلة إرهابية موقوتة.

وأخيراً، لقد تعدت الكثافة السكانية فى مصر كل الحدود الطبيعية، نحن نزيد حوالى 2.5 مليون سنوياً والدولة نايمة فى العسل. من المستحيل أن يتم تثبيت النظام أبداً بهذه الزيادة.

لا يوجد نظام ثابت للأبد وما يثبت النظام هو من يقودونه بالعدل والحكمة والمساواة بين الجميع. واضح أن تثبيت النظام يتم الآن بسياسة مختلفة تماماً..

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1173602