د. خالد منتصر
تحذير إلى ذوى القلوب الضعيفة، أرجوكم امسكوا أعصابكم وأنتم تقرأون المقطع التالي:
«وأمَرَ السلطانُ بأسْرَى التتار فقُتِلوا جميعاً. وكان فيهم قائدُهُم (ابن جنكيز خان) فأمر به فأحْضِرَ إليه لِيَقْتُلَهُ بِنَفْسِهِ!! لكن محمــــوداً تقدَّمَ إلى خاله قائلاً: : ياخالى إنك لا تقتل إلا جنكيز خان نفسه. أما ابنه هذا فدعْهُ لِسَيْفى فإنه غيْر أهْلٍ لسيْفِك، فضحِك جلال الدين ومن معه وقال: صَدَقْتَ يا محمـــود. عليك به فاقتُلْه على ألا تزيد عن ثلاث ضربات!!، فتقدَّم محمـــود حتى دنا من ابن جنكيز خان فهزَّ سيْفه هزَّتين فى الهواء. ثم ضرب به عُنُقَ الأسير ضرْبَةً أطارت رأسه، فكبَّر الحاضرون فَرحين مُعْجَبين بِقُوَّةِ الأمير الصغير، والْتفَتَ إلى خاله: لم أزدْ على ضَرْبَةٍ، فقام خاله وعانقه قائلاً: بارك الله فيك يا بطل!!».
هذا ليس مقطعاً من مذابح داعش ولا تفريغاً لفيديو لأبى مصعب الزرقاوى ولكنه قصة مقررة على أطفال الصف الثانى الثانوى فى جمهورية مصر العربية والتى لها وزير تعليم اسمه الهلالى الشربينى فى دولة تصدر نفسها للعالم على أنها تواجه الإرهاب!!، إنها قصة «وا إسلاماه».
بالبلدى كده وبالترجمة العامية وبلغة الشارع المصرى وكما سيسمعها أبناؤك من المدرس الخصوصى فى السنتر، الطفل محمود قال لخاله أرجوك ياخالو سيب لى الأسير ده أنا حاقطع رقبته بنفسى ده مش قيمتك، فيوافق الخال الطيب لكنه يضع شرطاً باقول لك إيه يامحمود خليك رحيم كده ياحبيبى وكيوت واقطع رقبته من تلات ضربات بالسيف ماتبقاش غشيم وتفضحنا، فيهز محمود سيفه البتار هزتين وكأنه يصف رقصة لنجوى فؤاد ويطيّر رقبة الأسير، شفت ياخالو راهنتنى على تلاته أنا قطعتها له من مرة واحدة، أوكازيون!!
تكبير…الله عليك يا بطل!، فيلم رعب أقوى من فيلم المنشار!
هذا هو معنى البطولة الذى نرسخه فى عقول ونفوس الأطفال، هذه هى القيم التى يزرعها الوزير الفاضل الذى من المفروض أنه ينتمى لحكومة ودولة تحارب الإرهاب وتسجن أطفالاً مسيحيين فى الصعيد لمجرد أنهم أدوا مشهداً تمثيلياً لداعش وهى تذبح أقاربهم على شواطئ ليبيا!، مشهد مثلوه اختيارياً فماذا عن المنهج الإجبارى الذى قرره الوزير الهمام والذى يعلمهم فيه أن البطولة فى جز الرؤوس وضرب الأعناق، وسلم لى على تجديد الخطاب الدينى.
سؤال إلى الرئيس: كيف سنجدد الخطاب الدينى ووزيرك الداعشى يربى فى مدارسه ملايين من أحفاد أبى بكر البغدادى وعادل حبارة؟!، فليقرأ كل إنسان ما يريد لكن عند المدرسة والمنهج التعليمى فنحن أمام تشكيل وجدان وعقل وانتماء ومعنى وطن، لا ينفع مع كل هذه المعانى المبتغاة والمطلوبة من التعليم أن تطالب طفلاً بل تأمره وترغمه بأن يعجب ببطولة طفل يبتر الأعناق ويتلاعب بالجماجم ولا تهتز له شعرة والرأس يتطاير فى الهواء ونافورة الدم تندفع من الشرايين!، ولو كتب فى ورقة الامتحان غير ذلك أو أبدى اعتراضه أو حتى امتعاضه سيحصل على الصفر ويرسب ويعيد السنة!!
جيل داعشى يتربى فى مدارسنا العامة والأزهرية وننتظر أن نتحضر ونتقدم ونجدد فكرنا؟!، مازلت أتذكر كتاب «الشيخان» الذى كنا ندرسه ونحن فى نفس السن، كان طه حسين يعلمنا التفكير النقدى فى التراث والتاريخ الإسلامى بأسلوبه العذب وأفكاره الثورية، وإن كنت بعد مرور كل هذه السنوات أعيد التفكير وأطالب بأن تكون القصص محايدة لا تتحدث عن تراث دين معين، أطالب بأن يكون منهج اللغة العربية صالحاً للتدريس للمسلم والمسيحى واليهودى والبهائى، الآيات والأحاديث مكانها حصة الدين وليست حصة اللغة العربية، وليس هذا معناه ألا تقرأ تاريخك وتراثك، فالمكتبات المدرسية والإلكترونية مفتوحة اقرأ منها ما تشاء، لكن الوجدان لا بد أن يصاغ مصرياً وطنياً للجميع على قدم المساواة بدون دم أو أشلاء، فلا يمكن لبلد أن يتحضر وأطفاله قد تآلفوا مع الدم.
____________________
http://www.khaledmontaser.com/article.php?id=1925