in Arabic المصارحة بشواهد التمييز الديني وأخطاره

المصارحة بشواهد التمييز الديني وأخطاره

-

د. فؤاد عبد المنعم رياض ـ
بدأ العديد من كبار رجال الإعلام في الكشف عن تفاصيل ما يعانيه الأقباط خاصة بالريف المصري مقدمينَ نماذج صارخة للتعصب الديني لدى أفراد الشعب نفسه وتخاذل أجهزة الدولة غير المفهوم عن مواجهة هذا التعصب (انظر في هذا المقام مقال الدكتور عماد جاد والكاتب عادل نعمان بصحيفة الوطن 3 نوفمبر ،2017 ص 10، ومقال الدكتور محمد أبو الغار بصحيفة المصري اليوم 7 نوفمبر 2017، ص 12) وغيرهم.
لقد أصبح الكشف عن كل ما يقع في مصر من انتهاكات ضد أفراد شعبها أمرًا ضروريًا حفاظًا على حقوق المواطن الأساسية في الحياة وفي المعيشة الآمنة وفي عدم التمييز الديني وحرصًا كذلك على عدم انفجار الدولة من الداخل في طرفة عين.
وجدير بالذكر أنَّ ما قام الكتاب المذكورون بعرضه من شواهد التمييز الديني ضد الأقباط سبق أن أكده المجلس القومي لحقوق الإنسان كما سبق أن أفصحت عنه بشكل أوسع نطاقًا اللجنة القومية لتقصي الحقائق حول أحداث 30 يونيو وما بعدها وذلك على أثر ما قامت به من تحقيقات شملت كافة أرجاء مصر. وقد كشفت اللجنة عن وجود أماكن ممتدة من إقليم مصر لا تخضع لقوانين الدولة ودستورها بل تسودها أعرافٌ تعتدي على الحقوق الأساسية للمواطن وللإنسان بل تدعو إلى التمييز ضد أصحاب شعائر الدين المخالف والتنكيل بهم.
وبالتأمل فيما لا يزال يقع من إهدار لحقوق المواطن في مصر تتكشف لنا ظاهرتان هامتان لم يعد بدٌ من مواجهتهما. أما الظاهرة الأولى فتتمثل في عدم فرض الدولة سيادتها على شطر كبير من أراضيها ريف كان أم مدن رئيسية. إن سيادة الدولة تكمن في حقيقتها في تطبيق قوانينها على كافة أنحاء إقليمها وعلى كافة المقيمين على أرضها. فإذا تركت هذا الشطر من إقليمها تحت سيادة فئة تخالف هذه القوانين لتحكم بأعرافٍ تقوم على إهدار حقوق الإنسان المختلف دينيًا وفي إرساء قضاء عرفي يحل محل قضاء الدولة، سقطت في حقيقة الأمرسيادتها على إقليمها، ويُمكن مقارنة كافة ما يقع من تجاوزات في أرض مصر بوجود دولة أجنبية تحتل جزءًا من أرض الوطن، وتفرض قوانينها وقضاءها على الأرض المحتلة وتحرم المواطنين من حقوقهم الأساسية، وتطردهم من ديارهم أو تحرق منازلهم، وتفرض عقوبات عليهم دون جرائم ارتكبوها، وفقًا لقضاء لا يعرف العدالة. ألا يتحتم على الدولة في هذا الصدد أن تتصدى لهذا الاحتلال الذي ينال من سيادتها بل يفقدها هذه السيادة؟
لقد تخلت الدولة عن واجباتها الأساسية خاصة نحو المواطن القبطي وتركته في العديد من أنحاء مصر تحت سيطرة من لا يعرفون معنى المواطنة ولا الاعتراف بقوانين الدولة وحقوق المواطن الأساسية. ولم تتخذ الدولة إجراءات حاسمة ضد هؤلاء الخارجين عن سيادتها وتركتهم يقومون بما تقوم به دولة احتلال ضد مواطني الدولة المحتلة.
إنَّ عدم قيام الدولة بحماية هؤلاء المواطنين باتخاذ موقف حاسم لمنع الاعتداء السافر عليهم يثير التساؤل حول موقف هذه الدولة من هذا الأمر، فهل يعبر هذا السكوت عن الموافقة عمَّا يتم ارتكابه؟ ويزيد من أهمية هذا التساؤل ترك قوات أمن الدولة أنفسهم الحبل على الغارب لمن يقوم بحرق المنازل أو طرد سكانها من أهل القرى بل يشاركون أحيانًا في منع المواطن القبطي من أداء مراسم دينه سواء في الكنيسة أو المنزل أو المشاركة في أداء واجبه الوطني من خلال الانتخابات.
لا شك أن الدولة تعلم مدى خطورة ذلك على مستقبل الوطن ذاته الذي يتربص به من يخططون لتفكيكه ولكنها رغم ذلك لا تتدخل على نحو حاسم. وتنِّم العديد من الدلائل وتصريحات بعض كبار المسئولين عن أن سكوت الدولة وتركها فريقًا بعينه يتحدى سيادتها ويخالف قوانينها ويتجاهل قضاءها ليس مرجعه عدم إدراك خطورة الأمر أو الجهل به أو التضامن مع ما يتم بل من الراجح أن يكون الدافع إلى سكوت الدولة هو الحفاظ على الأمن الاجتماعي ومنع الفتنة في العديد من أنحاء مصر التي لا مفر من وقوعها إذا ضربت الدولة بيد من حديد نظرًا لسيطرة الفكر المتعصب على عقول فريق كبير من المواطنين البسطاء وأشباه المثقفين .
أما الظاهرة الثانية فهي عدم مجاهرة القيادات العليا للكنيسة داخل مصر بل فريق كبير من كبار رجال الفكر من الأقباط بالرفض الكامل لما يتم من أحداث خلافًا لموقف المواطنين الأقباط الذين هجروا مصر حرصًا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، والذين لا يكفون عن الكشف عن كل المخالفات التي تنال من حقوق الأقباط في مصر ويحتجون عليها أشد الاحتجاج. وقد يكون السبب لتلك المهادنة من قِبل الكنسية والمفكرين الأقباط هو الحرص على عدم إشعال فتنة لا يعرف إلا الله مداها، وحرصهم على عدم انشطار مصر على أساس الانتماء الديني. هذا فضلا عمَّا تمليه عليهم التعاليم المسيحية الرفيعة من دعوة إلى السلام.
غير أنّه مهما حرصنا على وحدة الوطن وسلامته فإنَّ هذه الوحدة لن يمكن الحفاظ عليها بشكل دائم إذا لم نقضِ على الأسباب التي تهدد وجوده. ومن ثمَّ يجب أن تكون الأولوية لدى الدولة بل لدى كل مواطن محاربة التمييز الديني الذي يرتكبه الخارجون على القانون أو أفراد من الشعب نفسه ومن مؤسسات الدولة ذاتها. كما يجب أن تفرض الدولة سيادتها مهما كانت النتائج حتى لا تفقد حقيقة صفتها كدولة ذات سيادة.
وجديرٌ بالدولة في أداء مهمتها في هذا الصدد إقناعها كافة أفراد الشعب بخطورة التمييز الديني على كيان الدولة وضرورة المساواة بين جميع المواطنين أيَا كانت ديانتهم. ولا مناص من اتخاذ إجراءات حاسمة في وقف أي إعلام وكذلك أي تعليم لا يدعو إلى ذلك. وعلى الدولة إدراك أنَّ القوة المادية وحدها لن تكفي للقضاء على هذه الفرقة بين المواطنين طالما ظلت رواسب قرون من الأفكار التي تعود إلى العصور الوسطى المظلمة باسم الدين مستقرة في النفوس. وقد ثبت أنَّ المجتمع المدني لا يستطيع القيام وحده بالقضاء على هذه الرواسب دون مشاركة فعالة من جانب أجهزة الدولة في مجالات الإعلام والتعليم والفنون والآداب والاتجاه إلى خلق دولة مدنية حديثة.
?s=96&d=mm&r=g المصارحة بشواهد التمييز الديني وأخطاره

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

د. فؤاد عبد المنعم رياض ـ
بدأ العديد من كبار رجال الإعلام في الكشف عن تفاصيل ما يعانيه الأقباط خاصة بالريف المصري مقدمينَ نماذج صارخة للتعصب الديني لدى أفراد الشعب نفسه وتخاذل أجهزة الدولة غير المفهوم عن مواجهة هذا التعصب (انظر في هذا المقام مقال الدكتور عماد جاد والكاتب عادل نعمان بصحيفة الوطن 3 نوفمبر ،2017 ص 10، ومقال الدكتور محمد أبو الغار بصحيفة المصري اليوم 7 نوفمبر 2017، ص 12) وغيرهم.
لقد أصبح الكشف عن كل ما يقع في مصر من انتهاكات ضد أفراد شعبها أمرًا ضروريًا حفاظًا على حقوق المواطن الأساسية في الحياة وفي المعيشة الآمنة وفي عدم التمييز الديني وحرصًا كذلك على عدم انفجار الدولة من الداخل في طرفة عين.
وجدير بالذكر أنَّ ما قام الكتاب المذكورون بعرضه من شواهد التمييز الديني ضد الأقباط سبق أن أكده المجلس القومي لحقوق الإنسان كما سبق أن أفصحت عنه بشكل أوسع نطاقًا اللجنة القومية لتقصي الحقائق حول أحداث 30 يونيو وما بعدها وذلك على أثر ما قامت به من تحقيقات شملت كافة أرجاء مصر. وقد كشفت اللجنة عن وجود أماكن ممتدة من إقليم مصر لا تخضع لقوانين الدولة ودستورها بل تسودها أعرافٌ تعتدي على الحقوق الأساسية للمواطن وللإنسان بل تدعو إلى التمييز ضد أصحاب شعائر الدين المخالف والتنكيل بهم.
وبالتأمل فيما لا يزال يقع من إهدار لحقوق المواطن في مصر تتكشف لنا ظاهرتان هامتان لم يعد بدٌ من مواجهتهما. أما الظاهرة الأولى فتتمثل في عدم فرض الدولة سيادتها على شطر كبير من أراضيها ريف كان أم مدن رئيسية. إن سيادة الدولة تكمن في حقيقتها في تطبيق قوانينها على كافة أنحاء إقليمها وعلى كافة المقيمين على أرضها. فإذا تركت هذا الشطر من إقليمها تحت سيادة فئة تخالف هذه القوانين لتحكم بأعرافٍ تقوم على إهدار حقوق الإنسان المختلف دينيًا وفي إرساء قضاء عرفي يحل محل قضاء الدولة، سقطت في حقيقة الأمرسيادتها على إقليمها، ويُمكن مقارنة كافة ما يقع من تجاوزات في أرض مصر بوجود دولة أجنبية تحتل جزءًا من أرض الوطن، وتفرض قوانينها وقضاءها على الأرض المحتلة وتحرم المواطنين من حقوقهم الأساسية، وتطردهم من ديارهم أو تحرق منازلهم، وتفرض عقوبات عليهم دون جرائم ارتكبوها، وفقًا لقضاء لا يعرف العدالة. ألا يتحتم على الدولة في هذا الصدد أن تتصدى لهذا الاحتلال الذي ينال من سيادتها بل يفقدها هذه السيادة؟
لقد تخلت الدولة عن واجباتها الأساسية خاصة نحو المواطن القبطي وتركته في العديد من أنحاء مصر تحت سيطرة من لا يعرفون معنى المواطنة ولا الاعتراف بقوانين الدولة وحقوق المواطن الأساسية. ولم تتخذ الدولة إجراءات حاسمة ضد هؤلاء الخارجين عن سيادتها وتركتهم يقومون بما تقوم به دولة احتلال ضد مواطني الدولة المحتلة.
إنَّ عدم قيام الدولة بحماية هؤلاء المواطنين باتخاذ موقف حاسم لمنع الاعتداء السافر عليهم يثير التساؤل حول موقف هذه الدولة من هذا الأمر، فهل يعبر هذا السكوت عن الموافقة عمَّا يتم ارتكابه؟ ويزيد من أهمية هذا التساؤل ترك قوات أمن الدولة أنفسهم الحبل على الغارب لمن يقوم بحرق المنازل أو طرد سكانها من أهل القرى بل يشاركون أحيانًا في منع المواطن القبطي من أداء مراسم دينه سواء في الكنيسة أو المنزل أو المشاركة في أداء واجبه الوطني من خلال الانتخابات.
لا شك أن الدولة تعلم مدى خطورة ذلك على مستقبل الوطن ذاته الذي يتربص به من يخططون لتفكيكه ولكنها رغم ذلك لا تتدخل على نحو حاسم. وتنِّم العديد من الدلائل وتصريحات بعض كبار المسئولين عن أن سكوت الدولة وتركها فريقًا بعينه يتحدى سيادتها ويخالف قوانينها ويتجاهل قضاءها ليس مرجعه عدم إدراك خطورة الأمر أو الجهل به أو التضامن مع ما يتم بل من الراجح أن يكون الدافع إلى سكوت الدولة هو الحفاظ على الأمن الاجتماعي ومنع الفتنة في العديد من أنحاء مصر التي لا مفر من وقوعها إذا ضربت الدولة بيد من حديد نظرًا لسيطرة الفكر المتعصب على عقول فريق كبير من المواطنين البسطاء وأشباه المثقفين .
أما الظاهرة الثانية فهي عدم مجاهرة القيادات العليا للكنيسة داخل مصر بل فريق كبير من كبار رجال الفكر من الأقباط بالرفض الكامل لما يتم من أحداث خلافًا لموقف المواطنين الأقباط الذين هجروا مصر حرصًا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، والذين لا يكفون عن الكشف عن كل المخالفات التي تنال من حقوق الأقباط في مصر ويحتجون عليها أشد الاحتجاج. وقد يكون السبب لتلك المهادنة من قِبل الكنسية والمفكرين الأقباط هو الحرص على عدم إشعال فتنة لا يعرف إلا الله مداها، وحرصهم على عدم انشطار مصر على أساس الانتماء الديني. هذا فضلا عمَّا تمليه عليهم التعاليم المسيحية الرفيعة من دعوة إلى السلام.
غير أنّه مهما حرصنا على وحدة الوطن وسلامته فإنَّ هذه الوحدة لن يمكن الحفاظ عليها بشكل دائم إذا لم نقضِ على الأسباب التي تهدد وجوده. ومن ثمَّ يجب أن تكون الأولوية لدى الدولة بل لدى كل مواطن محاربة التمييز الديني الذي يرتكبه الخارجون على القانون أو أفراد من الشعب نفسه ومن مؤسسات الدولة ذاتها. كما يجب أن تفرض الدولة سيادتها مهما كانت النتائج حتى لا تفقد حقيقة صفتها كدولة ذات سيادة.
وجديرٌ بالدولة في أداء مهمتها في هذا الصدد إقناعها كافة أفراد الشعب بخطورة التمييز الديني على كيان الدولة وضرورة المساواة بين جميع المواطنين أيَا كانت ديانتهم. ولا مناص من اتخاذ إجراءات حاسمة في وقف أي إعلام وكذلك أي تعليم لا يدعو إلى ذلك. وعلى الدولة إدراك أنَّ القوة المادية وحدها لن تكفي للقضاء على هذه الفرقة بين المواطنين طالما ظلت رواسب قرون من الأفكار التي تعود إلى العصور الوسطى المظلمة باسم الدين مستقرة في النفوس. وقد ثبت أنَّ المجتمع المدني لا يستطيع القيام وحده بالقضاء على هذه الرواسب دون مشاركة فعالة من جانب أجهزة الدولة في مجالات الإعلام والتعليم والفنون والآداب والاتجاه إلى خلق دولة مدنية حديثة.