in Arabic القانون والثقافة مرة أخرى

القانون والثقافة مرة أخرى

-

د. عماد جاد ـ الوطن ـ (*) ـ

تغير الواقع فى كل دول العالم المتحضر عبر سن قوانين وتطبيقها بصرامة وشفافية، فتوقف الناس عن ممارسة عادات همجية، وتوقفوا عن الاعتداء على بعضهم البعض لاعتبارات تتعلق بعوامل الانقسام الأولى من لغة وعِرق ودين وطائفة، أو الانقسام الثانوى التى يكتسبها الإنسان فى مسيرته فى الحياة. تغير الواقع عبر سن قوانين وتطبيقها، حدث ذلك فى دول العالم المتقدم عندما كانت متخلفة مثل حالنا اليوم، خرج البشر فى أوروبا من عصور الظلام والحروب الدينية والطائفية والقومية إلى عالم جديد ينهض على دولة المؤسسات وحكم القانون والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، واللغة، والدين، فالبشر، وبعد تجارب مريرة وحروب مدمرة بسبب الانحياز لدين أو طائفة والعمل على تمكينها من الهيمنة والتضييق على المخالف والمختلف، وجدوا أن القاعدة الذهبية للتقدم والتطور هى بناء نظام ديمقراطى بأشكاله المتعددة المعروفة، وحكم القانون، والمواطنة والمساواة، وحياد الدولة تجاه الأديان والعقائد، بمعنى أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، لا تنحاز لدين على حساب آخر ولا تمكن طائفة من أخرى، فليس من وظائف الدولة مساعدة أو إجبار المواطن على دخول الجنة، وظيفتها القيام بمهام الحماية والتأمين وتنظيم شئون الحياة، الدول الفاشلة هى التى تتخذ لنفسها مهام دينية وتخلط الدين بالسياسة.

عندما أرادت هذه الدول بناء قاعدة الانطلاق نحو المستقبل وضعت دساتير ديمقراطية، وبنت مؤسسات، وفصلت بين السلطات، وسنت مئات القوانين التى تقر المواطنة، والمساواة، وقبول التنوع والتعدد، وحياد الدولة إزاء قضية الأديان والمعتقدات، وفرضت عقوبات صارمة على مخالفة هذه القوانين وتحديداً المساواة بين المواطنين، وكانت هذه القوانين بمثابة الرادع الحقيقى عن ممارسة سياسات التمييز بين المواطنين أو التدخل فى شئون الآخرين، وبمرور الوقت اعتاد المواطنون على وجود هذه القوانين، وتحولت لدى الأجيال التالية إلى ثقافة دون خشية من رادع أو عقوبة.

أما فى بلادنا حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض والخرافة، فالأمر مختلف تماماً، فلدينا دستور ملتبس، مرتبك بشأن علاقة الدين بالدولة، وفى الوقت نفسه لدينا قوانين بها فقرات غامضة عن عمد تدخل الموضوع فى متاهة ولا تحسم الموقف تجاه قضايا محددة، خذ على سبيل المثال قانون بناء الكنائس الذى صدر قبل عام من أجل ترتيب عملية بناء الكنائس وإصلاحها، وتجد عبارة أن الموافقة على البناء أو الإصلاح «بعد الرجوع إلى الجهات المعنية» ولا يخفى على أحد أن الجهات المعنية هنا تعنى الجهات الأمنية، ومن ثم بات قرار إنشاء الكنائس وإصلاحها بيد جهاز الأمن الوطنى، الذى يواصل العمل وفق الأسس التى وضعت زمن الرئيس المؤمن وفى إطارها يعمل الجهاز بكل قوة على تعميق جراح المسيحيين فى البلاد ومنع السير باتجاه بناء دولة المواطنة، فما تم فى أطفيح مؤخراً هو مجرد واقعة من مئات الوقائع التى يقف وراءها أفراد جهاز الأمن الوطنى فى محاولة يائسة للحفاظ على السياسات التمييزية القائمة وإفشال جميع الجهود المبذولة لوضع أسس دولة المواطنة. كما أن أعمال ضباط فى الجهاز تقدم المبررات للدول الأجنبية للتدخل فى الشئون المصرية الداخلية، وهو أمر قلنا مراراً إننا نرفضه ونسعى للحل على أساس وطنى، لكنهم يعرقلون كل الجهود فى هذا الميدان.

 

https://www.elwatannews.com/news/details/2876846

ملحوظة من الموقع:  تعليقا على اتهامه للأمن الوطني بالتواطؤ مع جرائم العنف والتمييز الطائفي، قال لواء الشرطة رفعت عبد الحميد للدكتور عماد جاد، عضو البرلمان والباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام: “ابعد عن سكينة الداخلية.. احنا جبناك البرلمان ونقدر نشيلك

وفي اليوم التالي أبلغته جريدة الوطن، التي ينشر فيها عماد جاد مقالا يوميا، بالتوقف عن نشر مقالاته..

?s=96&d=mm&r=g القانون والثقافة مرة أخرى

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

You might also likeRELATED
Recommended to you

د. عماد جاد ـ الوطن ـ (*) ـ

تغير الواقع فى كل دول العالم المتحضر عبر سن قوانين وتطبيقها بصرامة وشفافية، فتوقف الناس عن ممارسة عادات همجية، وتوقفوا عن الاعتداء على بعضهم البعض لاعتبارات تتعلق بعوامل الانقسام الأولى من لغة وعِرق ودين وطائفة، أو الانقسام الثانوى التى يكتسبها الإنسان فى مسيرته فى الحياة. تغير الواقع عبر سن قوانين وتطبيقها، حدث ذلك فى دول العالم المتقدم عندما كانت متخلفة مثل حالنا اليوم، خرج البشر فى أوروبا من عصور الظلام والحروب الدينية والطائفية والقومية إلى عالم جديد ينهض على دولة المؤسسات وحكم القانون والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، واللغة، والدين، فالبشر، وبعد تجارب مريرة وحروب مدمرة بسبب الانحياز لدين أو طائفة والعمل على تمكينها من الهيمنة والتضييق على المخالف والمختلف، وجدوا أن القاعدة الذهبية للتقدم والتطور هى بناء نظام ديمقراطى بأشكاله المتعددة المعروفة، وحكم القانون، والمواطنة والمساواة، وحياد الدولة تجاه الأديان والعقائد، بمعنى أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، لا تنحاز لدين على حساب آخر ولا تمكن طائفة من أخرى، فليس من وظائف الدولة مساعدة أو إجبار المواطن على دخول الجنة، وظيفتها القيام بمهام الحماية والتأمين وتنظيم شئون الحياة، الدول الفاشلة هى التى تتخذ لنفسها مهام دينية وتخلط الدين بالسياسة.

عندما أرادت هذه الدول بناء قاعدة الانطلاق نحو المستقبل وضعت دساتير ديمقراطية، وبنت مؤسسات، وفصلت بين السلطات، وسنت مئات القوانين التى تقر المواطنة، والمساواة، وقبول التنوع والتعدد، وحياد الدولة إزاء قضية الأديان والمعتقدات، وفرضت عقوبات صارمة على مخالفة هذه القوانين وتحديداً المساواة بين المواطنين، وكانت هذه القوانين بمثابة الرادع الحقيقى عن ممارسة سياسات التمييز بين المواطنين أو التدخل فى شئون الآخرين، وبمرور الوقت اعتاد المواطنون على وجود هذه القوانين، وتحولت لدى الأجيال التالية إلى ثقافة دون خشية من رادع أو عقوبة.

أما فى بلادنا حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض والخرافة، فالأمر مختلف تماماً، فلدينا دستور ملتبس، مرتبك بشأن علاقة الدين بالدولة، وفى الوقت نفسه لدينا قوانين بها فقرات غامضة عن عمد تدخل الموضوع فى متاهة ولا تحسم الموقف تجاه قضايا محددة، خذ على سبيل المثال قانون بناء الكنائس الذى صدر قبل عام من أجل ترتيب عملية بناء الكنائس وإصلاحها، وتجد عبارة أن الموافقة على البناء أو الإصلاح «بعد الرجوع إلى الجهات المعنية» ولا يخفى على أحد أن الجهات المعنية هنا تعنى الجهات الأمنية، ومن ثم بات قرار إنشاء الكنائس وإصلاحها بيد جهاز الأمن الوطنى، الذى يواصل العمل وفق الأسس التى وضعت زمن الرئيس المؤمن وفى إطارها يعمل الجهاز بكل قوة على تعميق جراح المسيحيين فى البلاد ومنع السير باتجاه بناء دولة المواطنة، فما تم فى أطفيح مؤخراً هو مجرد واقعة من مئات الوقائع التى يقف وراءها أفراد جهاز الأمن الوطنى فى محاولة يائسة للحفاظ على السياسات التمييزية القائمة وإفشال جميع الجهود المبذولة لوضع أسس دولة المواطنة. كما أن أعمال ضباط فى الجهاز تقدم المبررات للدول الأجنبية للتدخل فى الشئون المصرية الداخلية، وهو أمر قلنا مراراً إننا نرفضه ونسعى للحل على أساس وطنى، لكنهم يعرقلون كل الجهود فى هذا الميدان.

 

https://www.elwatannews.com/news/details/2876846

ملحوظة من الموقع:  تعليقا على اتهامه للأمن الوطني بالتواطؤ مع جرائم العنف والتمييز الطائفي، قال لواء الشرطة رفعت عبد الحميد للدكتور عماد جاد، عضو البرلمان والباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام: “ابعد عن سكينة الداخلية.. احنا جبناك البرلمان ونقدر نشيلك

وفي اليوم التالي أبلغته جريدة الوطن، التي ينشر فيها عماد جاد مقالا يوميا، بالتوقف عن نشر مقالاته..