إبراهيم عيسىـ المقال ـ
كان كلامًا طيبًا وجميلًا الذى تحدَّث به الرئيس السيسى ليلة العيد فى الكاتدرائية، ولعله أسهم فى ترطيب قلوب المصريين الأقباط الطيبين الذين عانوا ويعانون ويتحملون ويحتملون، ومش باين لها آخر.
لكن اللافت جدًّا فى خطبة الرئيس العفوية أنها لا علاقة لها بكل ما يفعله الرئيس طيلة العام قبل حضوره القداس، ولا علاقة لها بكل ما يفعله الرئيس طيلة العام بعد حضوره القداس.
مفارقة غريبة للغاية أن يعلن الرئيس بكل هذا الحماس الصادق عن يقينه بأن الاختلاف إرادة إلهية، بينما هو كما يبدو فى مواقف وتصريحات كثيرة لا يؤمن بالاختلاف السياسى ويريد أن يرى مجتمعًا من المصطفين المصفقين الموالين المؤيدين الذى يغنون بصوت واحد مدحًا لسياسته ولا يعترضون ولا يتناقشون ولا يختلفون مع تلك السياسة أبدًا، بل ويشعر الرئيس بجحود غريب جدًّا من هؤلاء الذين يختلفون (مع أن الاختلاف إرادة إلهية) مع مشروعاته المسماة عملاقة وأولوياتها، ويراهم مشككين ويحشرهم مع أهل الشر، كما أنه دائم الإلحاح على أن الإعلام هو سبب مشكلات البلد وأن الإعلام الذى يصبو إليه، كما ألمح من قبل، هو إعلام عبد الناصر حيث الصوت الواحد الداعم المؤيد الموالى الممجد المبجل المفخم.
الرئيس إذن يعتقد أن الاختلاف إرادة إلهية، وهو ما يعنى القبول الإيمانى بالتنوُّع الدينى، لكن هذا أيضًا ما لا نرى أى صدى له فى سياسة الحكم، حيث التمييز ضد الأقباط فى وظائف الدولة والمناصب الحساسة، وحيث التعامل مع الأقباط كطائفة فى قانون بناء الكنائس، والتمييز المروع فى مناهج التعليم مثلاً، وفى قرارات الكائن المشوه المسمى بيت العائلة الذى يحترف فى قراراته التمييز ضد الأقباط، وغير ذلك من مظاهر لا تخطئها عين تملك ضميرًا.
ورغم ذلك فيبدو أن الرئيس السيسى يؤمن بالتنوُّع الدينى (بصرف النظر عن تطبيق هذا بشكل فعلى حيث لا تطبيق أصلاً) لكنه يتعامل مع التنوُّع السياسى كأنما هو جريمة وخطيئة، فتسعى كل أجهزته وكل كتائب أجهزته الإلكترونية منذ وصوله إلى الحكم لفرض حالة الصوت الواحد، بل والتشويه والتشهير والطعن فى وطنية أى سياسى أو ناشط أو كاتب مختلف (مع أن الاختلاف إرادة إلهية) والعصف بأى نواب أو أحزاب يبدو منهم أو عليهم أية سمات للاختلاف عن السائد (ومع السيد!)، ورأينا سجنًا وحبسًا فى عهد السيسى لأول مرة فى تاريخ مصر لكُتَّاب وباحثين وشعراء مختلفين أو مجددين أو مجتهدين ومطاردات وملاحقات أمنية ونيابية لا تنتهى لمبدعين ومفكرين بتهم ازدراء الأديان، وشهدنا نوابًا مولعين بحب الرئيس ومدلهين فى هواه يرفضون إلغاء عقوبات الحبس فى قضايا الرأى والفكر ولا مؤاخذة الاختلاف.
بل لقد سمعنا الرئيس السيسى نفسه يتوجس من أى رأى مخالف أو مختلف، بل يضيق صدره أكثر من مرة أمام آراء سياسية أو إعلامية تتباين مع وجهة نظره أو قراراته.
لعلها نفحة العيد الربانية التى تلهم الرئيس السيسى مع عواطف المصريين الأقباط فى الكنيسة، هذا الإيمان الرائع بحرية المعتقد والقبول بالاختلاف والتنوع كسُنَّة من سُنن الحياة وحكمة من الله عز وجل، لكنه بمجرد خروجه من هذا الجو الروحانى البديع يصبح الرئيس الذى لا يريد أن يسمع أى كلام تانى!
https://www.facebook.com/المقال-1797723537171304/?hc_ref=SEARCH&fref=nf