د. خالد منتصر ـ
تكرّر فى الإعلام سؤال استنكارى، وهو: هل يقتل المسيحى وحده فى سيناء؟، الإجابة يقتل الجندى المسلم والجندى المسيحى هناك، لا تفرقة، نعم يُقتل من يرشد الشرطة عن الإرهابيين، سواء كان مسيحياً أم مسلماً.. إلخ.
متفق معكم فى كل ما قيل، لكن القتل على الهوية صار من نصيب المسيحى فقط، القتل على الهوية صار قدراً سرمدياً ينتظر المسيحى ساعة الصفر لتنفيذ قضائه، عنقه هناك تحت المقصلة وجسده ينتظر الشوى والحرق بأيدى الدواعش أخس التنظيمات التى ظهرت على مر التاريخ وأكثرها وضاعة.
أعرف ومتأكد أن الدواعش لم يحقّقوا مكاسب عسكرية هناك فى سيناء، أعرف أن هناك نجاحات للجيش المصرى هناك على أرض الواقع من تدمير أنفاق وقتل إرهابيين.. إلخ، لكن منذ متى كان مجرد اغتيال جنود مصريين هو غرض «داعش» الوحيد، أو غرض تنظيمات الإسلام السياسى المنفرد؟
نعم هو على رأس أولوياته القذرة الشريرة، لكن هناك ما هو أخطر بالنسبة إليهم، وهو تصدير الصورة الذهنية إلى الخارج والداخل، إلى الغرب والمصريين، وهم إذا كانوا قد انهزموا عسكرياً فقد انتصروا ذهنياً، نجحوا فى نقل الصورة الذهنية لتنظيم شرير يحرق ويسحل ويأكل الأكباد ويهجر الأقباط قسرياً، بث الرعب غرضهم الأساسى وقد نجحوا فيه، هذا هو الخطير والمفزع فى الأمر.
التكتيك الداعشى كان متوقعاً، السلاح فى أيديهم نقص، ولم يعد سهل المنال، التجنيد والمدد من الخارج صار صعباً، الجيش يحصد منهم العشرات، إذن الحل الذى لا يحتاج إلا إلى سكين أو مجرد عود كبريت وجركن بنزين هو حرق وقتل وذبح الأقباط، ثم نرى هذا المشهد المخزى المخجل المهين لأى بلد فى العالم، والذى يصيب كبرياءها فى مقتل، مشهد مسيحيى العريش الذين يبحثون عن مأوى فى محافظة مجاورة كاللاجئين.
الداعشى يريد ويحلم بتلك اللقطة، الداعشى يعشق فلاش الكاميرا نفس عشقه لنافورة الدم، هو صانع صور ذهنية بامتياز شرير. لا بد من عودة تلك الأسر، ولو وضعنا أمام كل بيت منهم دبابة، هذه مسئولية دولة والتزام وطن وإرادة حاكم وحكومة، وإلا فالبديل هو تهجير المسلم والمسيحى من تلك البقعة كما حدث فى التهجير بعد 1967 حتى ينظف الجيش أم القيح من هذا الخراج الإرهابى السافل ويستأصل سرطانه الفتاك.
المشكلة – لا بد أن نتكلم بصراحة – ليست فى الإرهابى الداعشى فقط، لكن فى بعض من يظهر كمحايد فى القبيلة أو فى الشارع. الكثيرون هناك من ذوى المزاج السلفى الوهابى الذى يستحل دم وعرض ومال المسيحى، من الممكن أن يتواطأ مع الإرهابى أو يدله ويساعده أو يطنش عنه ولا يبلغ السلطات عن مكان اختبائه.
يساعده فى ذلك سكوت الدولة عمّن يؤجّج النار وينفخ فى كير الفتنة بالفتاوى التى يظنها المسلمون من صميم الدين، دولة تسكت عن «برهامى» الذى يعلنها صراحة أن الأقباط كفرة، وأنه لا يجب تهنئتهم، وحتى الزوج المسلم إذا تزوج مسيحية يجب ألا يودها قلبياً وعاطفياً!!، «لجنة شئون أحزاب» تعتبر حزب النور حزباً مدنياً ولا تقدم طلباً لحله، «داخلية» ما زالت تتبنّى جلسات الصلح العرفى حلاً لجرائم بربرية تحرق فيها كنائس ويقتل مصلون فيها، حكومة تمنح شهادات أسلمة بسرعة الصاروخ وكأن وظيفتها شحننا إلى الجنة!!، بلد ما زالت فيه جامعة لا تقبل إلا المسلمين، ليس لدراسة الدين، لكن لدراسة الطب والهندسة!!،
كل هذه المظاهر هى الجسر الذى يعبر عليه الداعشى ويسانده حواريوه من المتواطئين، يعبر عليه بكل أمان وثقة واقتناع، بل ونشوة.
http://khaledmontaser.com/article.php?id=2006