د. خالد منتصر ـ
وصلتنى تلك الرسالة المهمة من الصديق د.كميل صديق تعليقاً على ما يحدث للمسيحيين فى العريش، يقول فيها:
نمتلك الريادة فى اللعب فى الوقت بدل الضائع ومحاولة اللحاق بالعربة الأخيرة من القطار بعد أن دارت العجلات وبدأ فى التحرك. أساتذة فى البكاء على اللبن المسكوب بعد أن كان يتسلل من بين أصابعنا ومن صنع أيدينا مكتفين بالاندهاش الطفولى المفتعل.
إيه مناسبة الكلام ده؟ بمناسبة السرادقات التى أقمناها بطول البلاد وعرضها استنكاراً وإدانةً لتهجير مواطنين مصريين أقباط من أرضهم بالعريش. الكل الآن يريد أن يجد له مكاناً مميزاً فى طابور الإدانة حتى وصل الأمر أن شاركت فى هذا المزاد المفتوح الدعوة «إياها» التى سبق أن وصف كثير من رموزها الأقباط بأنهم كفار ولا يجوز كذا وكذا وكذا، ونحن نعلم جميعاً ما هى عقوبة الكافر.
التهجير الذى حدث وأصاب المجتمع بكل تلك الدهشة أيها السادة لم يبدأ من فراغ ولم تكن تلك هى الحادثة الأولى، ولا يمكن التجرؤ ووصفها بأنها ليست لها سابقة فى المجتمع المصرى ودخيلة عليه. لا أيها السادة إن هذه الواقعة هى لاحقة لما سبق حدوثها من قبل وتعايشنا معها.
التهجير الذى نتباكى على حدوثه فى العريش حدث حين سمح المجتمع (لقعدات المصاطب إياها) والمسماة بالعرفية أن تجد مكاناً على أرض مصر للفصل فى المشاكل التى يكون أحد أطرافها مسيحياً وجميعها تنتهى كما نعلم بعدة توصيات يتم تنفيذها ومن بينها وعلى رأسها التهجير من الأرض والسكن للجانب الأضعف (المسيحى) لأن الشرع بطبيعته لا ينحاز إليه (العامرية بالإسكندرية مثلاً).
التهجير بدأ أيها السادة حينما منعت مديرة مدرسة من تنفيذ قرار تعيينها فى بنى مزار رضوخاً لرفض طالبات المدرسة أن تكون مديرتهم مسيحية (ولحست) الإدارة التعليمية مُصدرة القرار قرارها واكتفت (شبه الدولة) بدور المشاهد لما حدث.
التهجير بدأ حينما تظاهر أهالى قنا اعتراضاً على تعيين محافظ كل جريمته (إنه مسيحى لا مؤاخذة)، وانتهى الأمر بإرسال أحد الرموز إليهم من التى تكفر الأقباط أصلاً للتهدئة وتم تنفيذ إرادة المتظاهرين وانهزمت الدولة.
وإذا كنا نقول إن الفقر فى الوطن غربة، والجهل فى الوطن غربة، فأيضاً التمييز فى الوطن غربة. ونحن أيها السادة نمارس التمييز منذ عدة عقود حتى أصبحت ثقافة متوطنة.. ويمارَس حتى على المستوى الرسمى وليس من الأفراد فقط. إن رفض الآخر وتمييز البعض على البعض والإحساس الذى يتولد عند البعض بممارسة المجتمع معه التهميش والدونية تشكل اللبنات الأولى لهجرة الإنسان من داخله.
صدقونى أيها السادة إن الكثيرين والكثيرين يعيشون بأجسادهم على أرض هذا الوطن ولكن ينتابهم بسبب كثير من الممارسات إحساس بالهجرة الداخلية.. وما أصعب أن يهاجر الإنسان داخل نفسه.
ملحوظة: أعلنت الداخلية أنه لم يطلب أحد من الأقباط مغادرة العريش «إخلاء للمسئولية»!! ويبدو أن الأمر قد فهم خطأ والحكاية أصلها إنهم (حبوا يغيروا جو)!!
استمراراً لسياسة مغالطة النفس قيل إن الكنيسة ليست وحدها المستهدفة بمناسبة حادث الكنيسة البطرسية.. وكان قبلها بيومين استهدف كمين أمام المسجد، يا سادة الكمين استهدف بصفته كميناً وكان يمكن أن يكون من بين أفراده مسيحى، ولكن الكنيسة استهدفت لكونها كنيسة بداخلها مصلون أقباط!!
أختم كلمتى بما كان يقوله قداسة البابا الراحل شنودة الثالث فى مواجهة أى مشكلة وكنا نطلق عليها الثلاثية: «كله للخير… مسيرها تنتهى… ربنا موجود».
http://khaledmontaser.com/article.php?id=2010