كريمة كمال ـ المصري اليوم ـ
«التقيل جاى ورا يا هايدى».. كانت هذه الجملة مفتاح ليس فقط جلسة مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وما يخص الجزيرتين «تيران» و«صنافير»، بل هى بالأساس مفتاح ما يجرى فى مصر الآن.. كيف تدار الأمور ومن يديرها وعلى أى مستوى تدار؟
هذه الجملة وجهها مرتضى منصور إلى خبيرة ترسيم الحدود «هايدى فاروق» بعد أن قدمت الوثائق التى تثبت مصرية الجزيرتين وبعد أن أوضحت أن الدراسات التى قامت بها والوثائق التى جمعتها من الأرشيف البريطانى والأمريكى كانت بتكليف من المخابرات المصرية ومن اللواء عمر سليمان نفسه أى أنها كانت تعمل للدولة المصرية ولم تكن تعمل لأى طرف آخر فى الداخل والخارج.. كان واضحا أن شهادة الخبيرة تقلب الموازين رأسا على عقب، فماذا كان الرد سواء من إدارة البرلمان ممثلة فى رئيسه وماذا كان رد فعل الأغلبية الممثلة فى دعم مصر، فبينما قال على عبدالعال إن المجلس لا يعتد إلا بالوثائق المصرية جاء رد دعم مصر فى الهجوم على الخبيرة حتى وصل الأمر بالنائب مرتضى منصور إلى التشكيك فى جنسيتها متسائلا: هل أنت مصرية أبا عن جد؟ وعندما لم تتحمل الخبيرة الجليلة الاتهامات والتهديدات التى انهالت عليها من كل جانب فانسحبت مرددة «أنا عندى بنت أربيها» وجه لها النائب مرتضى منصور العبارة المفتاح وهى تخرج من القاعة باكية «التقيل جاى ورا يا هايدى».. النائب بعبارته التى ستدخل التاريخ، يوم أن يكتب التاريخ، أوضح بطريقته أن الأمور تتم بالتهديد والوعيد وأن الإقناع والوثائق والحقائق ليس لها مجال فى هذا البرلمان بل ربما فى كل مؤسسات مصر فى هذه اللحظة المصيرية التى يقتطع فيها جزء من أرض مصر رغما عن مصر.
هذه جلسة تاريخية بكل المقاييس لكنها لن تذكر فى تاريخ مصر بوصفها لمحة من عظمة مصر بل ستذكر بوصفها لمحة من لحظات ضعف مصر وتردى مؤسساتها فلم تكن «التقيل جاى ورا يا هايدى» هى السقطة الوحيدة فى جلسات مناقشة تيران وصنافير ولم تكن حتى عدم دستورية إجراء هذه المناقشة بالأساس بعد صدور أحكام القضاء ولم يكن قول رئيس المجلس إنه لا يحترم أحكام القضاء وأن المجلس سبق أن تجاهل حكما لمحكمة النقض.. ولم تكن تجاهل منح المعارضين الفرصة للتحدث أو تقديم المستندات أو استدعاء الخبراء.. بل كانت التردى إلى حد الردح والشرشحة وقلب الموازين، حيث هوجم النواب المتمسكون بمصرية الجزيرتين بوصفهم بالعمالة وأنهم «قابضين» وهكذا يتهم من يتخلى عن الأرض من يتمسك بها بالعمالة فى قلب صارخ لكل الثوابت والموازين.. بل وصل الأمر إلى حد التمييز الدينى صراحة ضد النائبة المحترمة «نادية هنرى» لمعارضتها تسليم الجزيرتين فى واقعة أشك أنها حدثت فى أى برلمان فى أى عهد من عهود مصر أن يتم التشكيك فى وطنية نائبة لأنها مسيحية بطريقة الغمز واللمز على وطنية الأقباط حيث قالت لها النائبة «غادة عجمى»: «روحى للأمريكان بتوعك يلبسوا اسود وخدى من قرايبك الأمريكان فلوس علشان تتكلمى» إلى هذا الحد من التدنى والانحطاط وصلت الأمور تحت قبة البرلمان أملا فى تمرير تسليم الجزيرتين وإذا كانت النائبة المحترمة «نادية هنرى» قد تقدمت بمذكرة لرئيس المجلس مطالبة بالتحقيق فى الواقعة كما طالب كثير من الشخصيات القبطية بمساءلة النائبة عما ارتكبت وإسقاط عضويتها فأنا أقولها لكم واضحة إن المجلس لن يتحرك ضدها ولن يسقط عضويتها فالمجلس يتحرك ضد المعارضين فقط بينما من يرتكبون أفظع السقطات البرلمانية فإنه يتغاضى عنها مهما كانت.. ببساطة المطلوب الهجوم على «هايدى».. ببساطة المطلوب الردح والتمييز ضد «نادية».. الهدف محدد وواضح وهناك استماتة فى الوصول إليه وهو التمرير مهما كان مستوى التدنى وإن وصل إلى التهديد والوعيد والردح والتمييز الدينى تحت قبة أعرق برلمان فى المنطقة.
هناك صورة لا تفارق رأسى وأنا أتابع هذه الجلسة التاريخية بكل ما جرى فيها من تدن وسقوط.. هذه الصورة هى صورة البلطجية الذين تمت الاستعانة بهم عند نقابة الصحفيين بعد واقعة اقتحام النقابة للتحرش بنا كصحفيين وهم يوجهون لنا السباب ويتحرشون بنا بالألفاظ والحركات المسيئة بل بالاعتداء البدنى.. أليس هو نفس الأسلوب؟ أليس هو نفس الأداء؟ أليس هو نفس التدنى ونفس الانحطاط؟
كم الحزن هائل لأننا عشنا لنرى هذه اللحظة العصيبة فى تسليم أرض الوطن.